[تفسير قوله تعالى:(قال وما علمي بما كانوا يعملون ونجني ومن معي من المؤمنين)]
لقد أجاب سيدنا نوح على قومه:{قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[الشعراء:١١٢] أي: لا تنظروا إلى الظاهر فقط، فلعل هؤلاء الضعفاء كما تزعمون لهم أعمال باطنة عظيمة يعلمها الله ويؤجرهم عليها، فلا تنظروا إلى الظاهر وتحكموا على السرائر حكمكم على الظاهر، فإن لهم أعمالاً عظيمة، ويكفي إيمانهم، فالله أعلم بما كانوا يعملون، فلم أكلف العلم بأعمال هؤلاء، وإنما كلفت أن أدعوهم إلى الإيمان بالله سبحانه وتعالى.
ثم يقول نوح عليه الصلاة والسلام:{إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ}[الشعراء:١١٣] أي: حساب هؤلاء بأعمالهم إنما هو على الرب سبحانه، وكأنه يقول: إذا كان ربنا سيحاسب الضعفاء فإنه سيحاسب الأقوياء كذلك، ولكن نوحاً كان يتلطف معهم في القول:{إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ}[الشعراء:١١٣] أي: بذلك وتفهمونه.
{وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ}[الشعراء:١١٤] أي: لا أطرد المؤمنين، وهذا هو الذي حذر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم منه، فسمى عدم مجالستهم طرداً لهم، فقال:{وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ}[الأنعام:٥٢]، وهنا نوح عليه الصلاة والسلام قال:{وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ * إِنْ أَنَا}[الشعراء:١١٤ - ١١٥] يعني: ما أنا {إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الشعراء:١١٥] أي: ليس عملي أن أقرب أناساً وأبعد أناساً، أو أرفع أقواماً وأجعل أقواماً في منزلة وآخرين، ولكن عملي أن أنذر الجميع، فمن استجاب كانت له المنزلة العظيمة يوم القيامة عند رب العالمين، ومن أعرض نال العذاب في الآخرة، وكذلك كل الرسل فإنما هم منذرون لأقوامهم، فالنبي هو البشير والنذير، فالبشير من يخبرك بما تفرح به ويسرك؛ وكذلك كان الأنبياء صلى الله عليهم وسلم أجمعين يبشرون المؤمنين بالجنة وما لهم في دار الحبور والسرور، وإما أن يكون النبي منذراً يخبرهم ويخوفهم بما ينتظر من كفر وفجر من عذاب عند رب العالمين، وهنا قال نوح:{إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ}[الشعراء:١١٥]، وما قال بشير؛ لأنهم لا يستحقون بشارة، فإنهم كفار جميعهم أجداداً وآباء وأحفاداً، فقد كان يلقن بعضهم بعضاً الكفر، ويحذر بعضهم بعضاً من الإيمان بنوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام.