[تفسير قوله تعالى:(وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل)]
قال الله تعالى:{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنْ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ}[الشورى:٤٥] أي: إذا قامت القيامة فإنه يعرض الذين كفروا على النار، قال تعالى:{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا}[الأحقاف:٢٠] أي: ما أعطيناه لكم من طيبات الدنيا فإنكم ضيعتموها في معصية الله، وفي الكفر والشرك بالله، وفي طلب الملاذ المحرمة، {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}[الأحقاف:٢٠] أي: الإهانة والتحقير والخلود في النار والسعير بسبب ما كنتم تصنعونه في الأرض من استكبار، فهذا الجزاء بسبب ما عملتم من معصية الله، واستحققتم هذا الذي نالكم، فيعرضون على النار ويعذبهم الله سبحانه وتعالى فيها ويقول لهم:{أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ}[الأنعام:٣٠].
فتأمل منظر هؤلاء عندما يعرضون على النار، فلو أن إنساناً أوقد له نار وقيل له سنقذفك فيها، ثم يدفع إلى النار وهو ينظر إليها ويرى العذاب أمامه وسيدخل فيه، فهذا مثل هيئتهم التي يصورها القرآن العظيم.
وقوله تعالى:(خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ) أي: في غاية الذل وهم يساقون إلى نار جهنم، فلا ينفعهم الخشوع الآن فقد كانوا في الدنيا مستكبرين، واستعلوا بأنفسهم على خلق الله، وأفسدوا في الأرض وابتغوا فيها الفساد، فلا ينفعهم في هذا اليوم الخشوع.
وقوله تعالى:(يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ) انظر إلى منظر هؤلاء وهم ينظرون من طرف خفي، تأمل إنساناً مصبوراً موثوقاً مكتفاً يسوقونه للإعدام، والسياف آخذ بالسيف وسيضربه على رقبته، فهو ينظر إلى هذا السيف من طرف خفي، لا يقدر أن يفتح عينه بكاملها؛ لأنه مرعوب، فهو يسارق النظر إلى السيف متى سينزل عليه؟ وكذلك عندما توضع نار أمام إنسان ويدفع إليها فإنه من شدة الخوف ينظر إليها من طرف خفي، فلا يقدر أن يفتح عينيه لينظر إليها، فكيف به وقد أعماه الله عز وجل، قال تعالى:{وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا}[طه:١٠٢] وهكذا الكفار قد أعمى الله عز وجل أعينهم فاستشعروا بهذه النار بقلوبهم وبأبدانهم، ومنهم من ينظر إليها ويسارقها ويراها، قد غارت أحداقهم بداخل محاجرها، واختفت من شدة الذل وما يرونه من العذاب أمامهم.