وَقَوْلُهُ هُنَا: وَرُؤيَ مِنْهُ بِضَمِّ الرَّاءِ بَعْدَهَا وَاوٌ مَهْمُوزَةٌ، أَيْ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وَكَرَاهِيَتُهُ بِالرَّفْعِ أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ رُؤيَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَقَوْلُهُ: وَشِدَّتُهُ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى كَرَاهِيَتِهِ وَيَجُوزُ الْجَرُّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: لِذَلِكَ.
وَفِي الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ مِنَ الْفَوَائِدِ - غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ - النَّدْبُ إِلَى إِزَالَةِ مَا يُسْتَقْذَرُ أَوْ يُتَنَزَّهُ عَنْهُ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَتَفَقُّدُ الْإِمَامِ أَحْوَالَ الْمَسَاجِدِ وَتَعْظِيمُهَا وَصِيَانَتُهَا، وَأَنَّ لِلْمُصَلِّيَ أَنْ يَبْصُقَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تَفْسُدَ صَلَاتُهُ، وَأَنَّ النَّفْخَ وَالتَّنَحْنُحَ فِي الصَّلَاةِ جَائِزَانِ؛ لِأَنَّ النُّخَامَةَ لَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ مَعَهَا شَيْءٌ مِنْ نَفْخٍ أَوْ تَنَحْنُحٍ، وَمَحِلُّهُ مَا إِذَا لَمْ يَفْحُشْ وَلَمْ يَقْصِدْ صَاحِبُهُ الْعَبَثَ وَلَمْ يَبِنْ مِنْهُ مُسَمَّى كَلَامٍ وَأَقَلُّهُ حَرْفَانِ أَوْ حَرْفٌ مَمْدُودٌ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى جَوَازِ النَّفْخِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى ذَلِكَ، لَكِنْ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ قَبْلُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ النَّفْخُ يُسْمَعُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِحَدِيثٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَبِأَثَرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ. وَفِيهَا أَنَّ الْبُصَاقَ طَاهِرٌ، وَكَذَا النُّخَامَةُ وَالْمُخَاطُ خِلَافًا لِمَنْ يَقُولُ: كُلُّ مَا تَسْتَقْذِرُهُ النَّفْسُ حَرَامٌ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ التَّحْسِينَ وَالتَّقْبِيحَ إِنَّمَا هُوَ بِالشَّرْعِ، فَإِنَّ جِهَةَ الْيَمِينِ مُفَضَّلَةٌ عَلَى الْيَسَارِ، وَأَنَّ الْيَدَ مُفَضَّلَةٌ عَلَى الْقَدَمِ. وَفِيهَا الْحَثُّ عَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا مَلِيًّا لِكَوْنِهِ ﷺ بَاشَرَ الْحَكَّ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى عِظَمِ تَوَاضُعِهِ، زَادَهُ اللَّهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا ﷺ.
٤٠ - بَاب عِظَةِ الْإِمَامِ النَّاسَ فِي إِتْمَامِ الصَّلَاةِ وَذِكْرِ الْقِبْلَةِ
٤١٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَاهُنَا؟ فَوَاللَّهِ مَا يَخْفَى عَلَيَّ خُشُوعُكُمْ وَلَا رُكُوعُكُمْ، إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي.
[الحديث ٤١٨ - طرفه في: ٧٤١]
قَوْلُهُ: (بَابُ عِظَةِ الْإِمَامِ النَّاسَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَقَوْلُهُ: فِي إِتْمَامِ الصَّلَاةِ أَيْ بِسَبَبِ تَرْكِ إِتْمَامِ الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (وَذِكْرِ الْقِبْلَةِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى عِظَةٍ، وَأَوْرَدَهُ لِلْإِشْعَارِ بِمُنَاسَبَةِ هَذَا الْبَابِ لِمَا قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي) هُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ، أَيْ أَنْتُمْ تَظُنُّونَ أَنِّي لَا أَرَى فِعْلَكُمْ لِكَوْنِ قِبْلَتِي فِي هَذِهِ الْجِهَةِ؛ لِأَنَّ مَنِ اسْتَقْبَلَ شَيْئًا اسْتَدْبَرَ مَا وَرَاءَهُ، لَكِنْ بَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ رُؤْيَتَهُ لَا تَخْتَصُّ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا الْعِلْمُ إِمَّا بِأَنْ يُوحَى إِلَيْهِ كَيْفِيَّةُ فِعْلِهِمْ وَإِمَّا أَنْ يُلْهَمَ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَوْ كَانَ مُرَادًا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَوْلِهِ: مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي. وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّهُ يَرَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمَنْ عَنْ يَسَارِهِ مِمَّنْ تُدْرِكُهُ عَيْنُهُ مَعَ الْتِفَاتٍ يَسِيرٍ فِي النَّادِرِ، وَيُوصَفُ مَنْ هُوَ هُنَاكَ بِأَنَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَهَذَا ظَاهِرُ التَّكَلُّفِ، وَفِيهِ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ بِلَا مُوجِبٍ. وَالصَّوَابُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَأَنَّ هَذَا الْإِبْصَارَ إِدْرَاكٌ حَقِيقِيٌّ خَاصٌّ بِهِ ﷺ انْخَرَقَتْ لَهُ فِيهِ الْعَادَةُ، وَعَلَى هَذَا عَمَلُ الْمُصَنِّفِ فَأَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ، وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ.
ثُمَّ ذَلِكَ الْإِدْرَاكُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِرُؤْيَةِ عَيْنِهِ انْخَرَقَتْ لَهُ الْعَادَةُ فِيهِ أَيْضًا فَكَانَ يَرَى بِهَا مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا عَقْلًا عُضْوٌ مَخْصُوصٌ وَلَا مُقَابَلَةٌ وَلَا قُرْبٌ، وَإِنَّمَا تِلْكَ أُمُورٌ عَادِيَّةٌ يَجُوزُ حُصُولُ الْإِدْرَاكِ مَعَ عَدَمِهَا عَقْلًا، وَلِذَلِكَ حَكَمُوا بِجَوَازِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ خِلَافًا لِأَهْلِ الْبِدَعِ لِوُقُوفِهِمْ مَعَ الْعَادَةِ.
وَقِيلَ: كَانَتْ لَهُ عَيْنٌ خَلْفَ ظَهْرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute