للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَنِ الْحَسَنِ - هُوَ الْبَصْرِيِّ - قَالَ: الْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا أَفْطَرَتْ وَأَطْعَمَتْ، وَالْحَامِلُ إِذَا خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَفْطَرَتْ وَقَضَتْ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرِيضِ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ: تُفْطِرَانِ وَتَقْضِيَانِ. وَأَمَّا قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ - وَهُوَ النَّخَعِيُّ - فَوَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنِ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا صَوْمًا.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقِ الصِّيَامَ فَقَدْ أَطْعَمَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ بَعْدَ مَا كَبِرَ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا خُبْزًا وَلَحْمًا وَأَفْطَرَ) وَرَوَى عَبْدُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ وَكَانَ قَدْ كَبِرَ، فَأَطْعَمَ مِسْكِينًا كُلَّ يَوْمٍ. وَرُوِّينَاهُ فِي فَوَائِدِ مُحَمَّدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ مُلَاسٍ عَنْ مَرْوَانَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: ضَعُفَ أَنَسٌ عَنِ الصَّوْمِ عَامَ تُوُفِّيَ، فَسَأَلْتُ ابْنَهُ عُمَرَ بْنَ أَنَسٍ: أَطَاقَ الصَّوْمَ؟ قَالَ: لَا، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ لَا يُطِيقُ الْقَضَاءَ أَمَرَ بِجِفَانٍ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ فَأَطْعَمَ الْعِدَّةَ أَوْ أَكْثَرَ.

(تَنْبِيهٌ)

قَوْلُهُ: أَطْعَمَ الْفَاءُ جَوَابُ الدَّلِيلِ الدَّالِّ عَلَى جَوَازِ الْفِطْرِ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَأَمَّا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ إِذَا لَمْ يُطِقِ الصِّيَامَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ، فَقَدْ أَطْعَمَ إِلَخْ. وَقَوْلُهُ كَبِرَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ، أَيْ: أَسَنَّ، وَكَانَ أَنَسٌ حِينَئِذٍ فِي عَشْرِ الْمِائَةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ قَرِيبًا.

قَوْلُهُ: (قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ: يُطِيقُونَهُ، وَهُوَ أَكْثَرُ) يَعْنِي مِنْ أَطَاقَ يُطِيقُ، وَسَأَذْكُرُ مَا خَالَفَ ذَلِكَ فِي الَّذِي بَعْدَهُ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ) هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، وَرَوْحٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ هُوَ ابْنُ عُبَادَةَ.

قَوْلُهُ: (سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَقْرَأُ.

قَوْلُهُ: (يُطَوَّقُونَهُ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مُخَفَّفُ الطَّاءِ، مِنْ طُوِّقَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِوَزْنِ قُطِّعَ، وَهَذِهِ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا، وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: يُطَوَّقُونَهُ يُكَلَّفُونَهُ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ حَسَنٌ أَيْ، يُكَلَّفُونَ إِطَاقَتَهُ. وَقَوْلُهُ: (طَعَامُ مِسْكِينٍ) زَادَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَاحِدٍ وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ زَادَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَزَادَ مِسْكِينٍ آخَرَ.

قَوْلُهُ: (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ) هَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَخَالَفَهُ الْأَكْثَرُ، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ. وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ تُضْعِفُ تَأْوِيلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَا مَحْذُوفَةٌ مِنَ الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَأَنَّ الْمَعْنَى: وَعَلَى الَّذِينَ لَا يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ، وَأَنَّهُ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

فَقُلْتُ يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا،

أَيْ لَا أَبْرَحُ قَاعِدًا، وَرَدَ بِدَلَالَةِ الْقَسَمِ عَلَى النَّفْيِ بِخِلَافِ الْآيَةِ، وَيُثْبِتُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: يُطِيقُونَهُ لِلصِّيَامِ فَيَصِيرُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَ الصِّيَامَ فِدْيَةٌ، وَالْفِدْيَةُ لَا تَجِبُ عَلَى الْمُطِيقِ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ، وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَ الصِّيَامَ إِذَا أَفْطَرُوا فِدْيَةٌ، وَكَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، ثُمَّ نُسِخَ وَصَارَتِ الْفِدْيَةُ لِلْعَاجِزِ إِذَا أَفْطَرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الصِّيَامِ حَدِيثُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ لَمَّا نَزَلَ رَمَضَانُ شَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ، وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَتْهَا: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾ وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلَا نَسْخَ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ تَكَلَّفَ الصَّوْمَ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيُفْطِرُ وَيُكَفِّرُ، وَهَذَا الْحُكْمُ بَاقٍ. وَفِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّ الشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ إِذَا شَقَّ عَلَيْهِمُ الصَّوْمُ فَأَفْطَرُوا فَعَلَيْهِمُ الْفِدْيَةُ خِلَافًا لِمَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُ.

وَاخْتُلِفَ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ وَمَنْ أَفْطَرَ لِكِبَرٍ ثُمَّ قَوِيَ عَلَى الْقَضَاءِ بَعْدُ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ: يَقْضُونَ وَيُطْعِمُونَ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ: لَا إِطْعَامَ.

٢٦ - بَاب ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾

٤٥٠٦ - حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ