ثَابِتًا يُشْعِرُ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ كَانَ قَدِيمًا، ثُمَّ إِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهِ أَخَذَهُ عَنْ أَنَسٍ بِوَاسِطَةٍ، وَقَدْ قَالَ الْبَزَّارُ: إِنَّ عَبْدَ الْأَعْلَى بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى تَفَرَّدَ عَنْ حُمَيْدٍ بِذَلِكَ، وَرَوَاهُ عَامَّةُ أَصْحَابِ حُمَيْدٍ عَنْهُ عَنْ أَنَسٍ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ.
قُلْتُ: كَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَجَمَاعَةٌ عَنْ حُمَيْدٍ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، لَكِنْ لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِ عَلَى تَصْرِيحٍ بِسَمَاعِهِ لَهُ مِنْ أَنَسٍ وَهُوَ مُدَلِّسٌ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ رِوَايَةَ عَبْدِ الْأَعْلَى هِيَ الْمُتَّصِلَةُ.
قَوْلُهُ: (فَحَبَسَهُ) أَيْ مَنَعَهُ مِنَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَزَادَ هُشَيْمٌ فِي رِوَايَتِهِ حَتَّى نَعَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا سَيَأْتِي فِي الْإِمَامَةِ مِنْ طَرِيقِ زَائِدَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِوَجْهِهِ. زَادَ ابْنُ حِبَّانَ: قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ، فَقَالَ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ وَتَرَاصُّوا، لَكِنْ لَمَّا كَانَ هَذَا يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِالْأَوَّلِ أَظْهَرُ فِي جَوَازِ الْكَلَامِ مُطْلَقًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(خَاتِمَةٌ: اشْتَمَلَ كِتَابُ الْأَذَانِ وَمَا مَعَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ عَلَى سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ حَدِيثًا: الْمُعَلَّقُ مِنْهَا سِتَّةُ أَحَادِيثَ، الْمُكَرَّرُ فِيهِ وَفِيمَا مَضَى ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ وَالْخَالِصُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ، وَوَافَقَهُ مُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِهَا سِوَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ: حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ وَحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ، وَجَابِرٍ فِي الْقَوْلِ عِنْدَ سَمَاعِ الْأَذَانِ، وَحَدِيثِ بِلَالٍ فِي جَعْلِ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ. وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ثَمَانِيَةُ آثَارٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٢٩ - بَاب وُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنْ الْعِشَاءِ فِي الجَمَاعَة شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا
٦٤٤ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ.
[الحديث ٦٤٤ - أطرافه في: ٧٢٢٤، ٢٤٢٠، ٦٥٧]
(أَبْوَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالْإِمَامَةِ) وَلَمْ يُفْرِدْهُ الْبُخَارِيُّ بِكِتَابٍ فِيمَا رَأَيْنَا مِنْ نُسَخِ كِتَابِهِ، بَلْ أَتْبَعَ بِهِ كِتَابَ الْأَذَانِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِ، لَكِنْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَلَعَلَّهَا رِوَايَةُ شَيْخِهِ أَبِي أَحْمَدَ الْجُرْجَانِيِّ.
قَوْلُهُ: (بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ) هَكَذَا بَتَّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَكَأَنَّ ذَلِكَ لِقُوَّةِ دَلِيلِهَا عِنْدَهُ، لَكِنْ أَطْلَقَ الْوُجُوبَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ وُجُوبُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ، إِلَّا أَنَّ الْأَثَرَ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنِ الْحَسَنِ يُشْعِرُ بِكَوْنِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ وُجُوبُ عَيْنٍ، لِمَا عُرِفَ مِنْ عَادِتِهِ أَنَّهُ يَسْتَعْمِلُ الْآثَارَ فِي التَّرَاجِمِ لِتَوْضِيحِهَا وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْيِينِ أَحَدِ الِاحْتِمَالَاتِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَبِهَذَا يُجَابُ مَنِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ قَوْلَ الْحَسَنِ يُسْتَدَلُّ لَهُ لَا بِهِ، وَلَمْ يُنَبِّهْ أَحَدٌ مِنَ الشُّرَّاحِ عَلَى مَنْ وَصَلَ أَثَرَ الْحَسَنِ، وَقَدْ وَجَدْتُهُ بِمَعْنَاهُ وَأَتَمَّ مِنْهُ وَأَصْرَحَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ لِلْحُسَيْنِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي رَجُلٍ يَصُومُ - يَعْنِي تَطَوُّعًا - فَتَأْمُرُهُ أُمُّهُ أَنْ يُفْطِرَ، قَالَ: فَلْيُفْطِرْ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلَهُ أَجْرُ الصَّوْمِ وَأَجْرُ الْبِرِّ. قِيلَ: فَتَنْهَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهَا، هَذِهِ فَرِيضَةٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ