للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَنْ يَكُونَ لَهُ مُخْتَرِعٌ لَتَسَلْسَلَ، فَلَا بُدَّ مِنَ الِانْتِهَاءِ إِلَى مُوجِدٍ قَدِيمٍ، وَالْقَدِيمُ مَنْ لَا يَتَقَدَّمُهُ شَيْءٌ وَلَا يَصِحُّ عَدَمُهُ، وَهُوَ فَاعِلٌ لَا مَفْعُولٌ، وَهُوَ اللَّهُ ﵎. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ ثَبَتَ أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ بِالدَّلِيلِ فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ، وَالطَّرِيقُ إِلَيْهَا بِالسُّؤَالِ عَنْهَا مُتَعَيِّنٌ لِأَنَّهَا مُقَدِّمَتُهَا. لَكِنْ لَمَّا عُرِفَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْخَالِقَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ أَوْ بِالْكَسْبِ الَّذِي يُقَارِبُ الصِّدْقَ، كَانَ السُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ تَعَنُّتًا، فَيَكُونُ الذَّمُّ يَتَعَلَّقُ بِالسُّؤَالِ الَّذِي يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ التَّعَنُّتِ، وَإِلَّا فَالتَّوَصُّلُ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ عَنْهُ صَرِيحُ الْإِيمَانِ؛ إِذْ لَا بُدَّ مِنَ الِانْقِطَاعِ إِلَى مَنْ يَكُونُ لَهُ خَالِقٌ دَفْعًا لِلتَّسَلْسُلِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُ هَذَا فِي صِفَةِ إِبْلِيسَ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ ثُبُوتِ الْوُجُوبِ يَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ.

وَيُقَالُ: إِنَّ نَحْوَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَعَتْ فِي زَمَنِ الرَّشِيدِ فِي قِصَّةٍ لَهُ مَعَ صَاحِبِ الْهِنْدِ، وَأَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ: هَلْ يَقْدِرُ الْخَالِقُ أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُ فَسَأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ، فَبَدَرَ شَابٌّ فَقَالَ: هَذَا السُّؤَالُ مُحَالٌ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ مُحْدَثٌ وَالْمُحْدَثُ لَا يَكُونُ مِثْلَ الْقَدِيمِ، فَاسْتَحَالَ أَنْ يُقَالَ يَقْدِرُ أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُ أَوْ لَا يَقْدِرُ، كَمَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يُقَالَ فِي الْقَادِرِ الْعَالِمِ يَقْدِرُ أَنْ يَصِيرَ عَاجِزًا جَاهِلًا.

الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي سُؤَالِ الْيَهُودِ عَنِ الرُّوحِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ سُبْحَانَ وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَامَ سَاعَةً فَنَظَرَ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَتَأَخَّرْتُ حَتَّى صَعِدَ الْوَحْيُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ أَجَابَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى مَا وَقَعَ فِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَسِيَرِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ أَنَّ جَوَابَهُ تَأَخَّرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَفِي سِيرَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، أَنَّهُ تَأَخَّرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

٤ - بَاب الِاقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِ النَّبِيِّ ﷺ

٧٢٩٨ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: اتَّخَذَ النَّبِيُّ ﷺ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنِّي اتَّخَذْتُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فَنَبَذَهُ، وَقَالَ: إِنِّي لَنْ أَلْبَسَهُ أَبَدًا. فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ.

قَوْلُهُ (بَابُ الِاقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِ النَّبِيِّ ﷺ الْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾

وَقَدْ ذَهَبَ جَمْعٌ إِلَى وُجُوبِهِ لِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾ وَبِقَوْلِهِ ﴿فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاتَّبِعُوهُ فَيَجِبُ اتِّبَاعُهُ فِي فِعْلِهِ كَمَا يَجِبُ فِي قَوْلِهِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى النَّدْبِ أَوِ الْخُصُوصِيَّةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: يَحْتَمِلُ الْوُجُوبُ وَالنَّدْبُ وَالْإِبَاحَةُ فَيَحْتَاجُ إِلَى الْقَرِينَةِ. وَالْجُمْهُورُ لِلنَّدْبِ إِذَا ظَهَرَ وَجْهُ الْقُرْبَةِ، وَقِيلَ وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَّلَ بَيْنَ التَّكْرَارِ وَعَدَمِهِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: مَا يَفْعَلُهُ ﷺ إِنْ كَانَ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ ذَلِكَ الْمُجْمَلِ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا أَوْ إِبَاحَةً، فَإِنْ ظَهَرَ وَجْهُ الْقُرْبَةِ فَلِلنَّدْبِ، وَمَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ وَجْهُ التَّقَرُّبِ فَلِلْإِبَاحَةِ، وَأَمَّا تَقْرِيرُهُ عَلَى مَا يُفْعَلُ بِحَضْرَتِهِ فَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ.

وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَيَتَعَلَّقُ بِهَا تَعَارُضُ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، وَيَتَفَرَّعُ مِنْ ذَلِكَ حُكْمُ الْخَصَائِصِ وَقَدْ أُفْرِدَتْ بِالتَّصْنِيفِ، وَلِشَيْخِ شُيُوخِنَا الْحَافِظِ صَلَاحِ الدِّينِ الْعَلَائِيِّ فِيهِ مُصَنَّفٌ جَلِيلٌ. وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: يُقَدَّمُ الْقَوْلُ لِأَنَّ لَهُ صِيغَةً تَتَضَمَّنُ الْمَعَانِيَ بِخِلَافِ الْفِعْلِ، ثَانِيهَا: الْفِعْلُ لِأَنَّهُ لَا يَطْرُقُهُ مِنَ الِاحْتِمَالِ مَا يَطْرُقُ الْقَوْلَ، ثَالِثُهَا: يُفْزَعُ إِلَى التَّرْجِيحِ. وَكُلُّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ