قَوْلُهُ: (بَابُ الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى) أَيْ هُوَ الْمَطْلُوبُ الْمُبَشَّرُ عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ وَالرَّحْمَةِ، وَمِنْ هُنَا تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ إِيرَادِ أَثَرِ عُمَرَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْمَتْنِ الْمَرْفُوعِ مُسْتَوْفًى فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ عُمَرُ)؛ أَيِ ابْنُ الْخَطَّابِ.
قَوْلُهُ: (الْعِدْلَانِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ؛ أَيِ الْمِثْلَانِ، وَقَوْلُهُ: (الْعِلَاوَةُ) بِكَسْرِهَا أَيْضًا؛ أَيْ مَا يُعَلَّقُ عَلَى الْبَعِيرِ بَعْدَ تَمَامِ الْحَمْلِ. وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عُمَرَ كَمَا سَاقَهُ الْمُصَنِّفُ، وَزَادَ: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ نِعْمَ الْعِدْلَانِ ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ نِعْمَ الْعِلَاوَةُ. وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عُمَرَ نَحْوَهُ، وَظَهَرَ بِهَذَا مُرَادُ عُمَرَ بِالْعِدْلَيْنِ وَبِالْعِلَاوَةِ، وَأَنَّ الْعِدْلَيْنِ الصَّلَاةُ وَالرَّحْمَةُ، وَالْعِلَاوَةُ الِاهْتِدَاءُ. وَيُؤَيِّدُهُ وُقُوعُهُمَا بَعْدَ عَلَى الْمُشْعِرَةُ بِالْفَوْقِيَّةِ، الْمُشْعِرَةُ بِالْحَمْلِ، قَالَهُ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ قَوْلِ عُمَرَ مَرْفُوعًا، أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أُعْطِيَتْ أُمَّتِي شَيْئًا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَمِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ - إِلَى قَوْلِهِ - الْمُهْتَدُونَ، قَالَ: فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا سَلَّمَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَاسْتَرْجَعَ كُتِبَ لَهُ ثَلَاثُ خِصَالٍ مِنَ الْخَيْرِ: الصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ وَالرَّحْمَةُ، وَتَحْقِيقُ سُبُلِ الْهُدَى. فَأَغْنَى هَذَا عَنِ التَّكَلُّفِ فِي ذَلِكَ كَقَوْلِ الْمُهَلَّبِ: الْعِدْلَانِ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَالْعِلَاوَةُ الثَّوَابُ عَلَيْهِمَا.
وَعَنْ قَوْلِ الْكَرْمَانِيِّ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلَيْنِ الْقَوْلُ وَجَزَاؤُهُ، أَيْ قَوْلُ الْكَلِمَتَيْنِ وَنَوْعَا الثَّوَابِ، لِأَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ.
قَوْلُهُ: (وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾ الْآيَةَ) هُوَ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى أَوَّلِ التَّرْجَمَةِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَبَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى، أَيْ تَفْسِيرِهِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: (وَإِنَّهَا) قِيلَ: أَفْرَدَ الصَّلَاةَ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّبْرِ الصَّوْمُ، وَهُوَ مِنَ التُّرُوكِ، أَوِ الصَّبْرِ عَنِ الْمَيِّتِ تَرْكُ الْجَزَعِ، وَالصَّلَاةُ أَفْعَالٌ وَأَقْوَالٌ، فَلِذَلِكَ ثَقُلَتْ عَلَى غَيْرِ الْخَاشِعِينَ، وَمِنْ أَسْرَارِهَا أَنَّهَا تُعِينُ عَلَى الصَّبْرِ لِمَا فِيهَا مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالْخُضُوعِ، وَكُلُّهَا تُضَادُّ حُبَّ الرِّيَاسَةِ، وَعَدَمَ الِانْقِيَادِ لِلْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِإِيرَادِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نُعِيَ إِلَيْهِ أَخُوهُ قُثَمَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ تَنَحَّى عَنِ الطَّرِيقِ فَأَنَاخَ، فَصَلَّى رَك عَتَيْنِ أَطَالَ فِيهِمَا الْجُلُوسَ، ثُمَّ قَامَ وَهُوَ يَقُولُ: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾ الْآيَةَ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ، وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَيْضًا. قَالَ الطَّبَرِيُّ: الصَّبْرُ مَنْعُ النَّفْسِ مَحَابَّهَا، وَكَفُّهَا عَنْ هَوَاهَا، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِمَنْ لَمْ يَجْزَعْ: صَابِرٌ؛ لِكَفِّهِ نَفْسَهُ. وَقِيلَ لِرَمَضَانَ: شَهْرُ الصَّبْرِ؛ لِكَفِّ الصَّائِمِ نَفْسَهُ عَنِ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ.
٤٣ - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ﵄، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: تَدْمَعُ الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ
١٣٠٣ - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا قُرَيْشٌ - هُوَ ابْنُ حَيَّانَ -، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁ قَالَ: دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ - وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ ﵇ فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ، ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ﵁: وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute