الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ الْمَرَاثِي. وَهُوَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ: نَهَانَا أَنْ نَتَرَاثَى. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَامِعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ التَّوَجُّعُ وَالتَّحَزُّنُ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ: مُنَاسَبَةُ إِدْخَالِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ فِي تَضَاعِيفِ التَّرَاجِمِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحَالِ مَنْ يُحَضِّرُ الْمَيِّتَ.
قَوْلُهُ: (أَنْ مَاتَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَلَا يَصِحُّ كَسْرُهَا لِأَنَّهَا تَكُونُ شَرْطِيَّةً، وَالشَّرْطُ لِمَا يُسْتَقْبَلُ، وَهُوَ قَدْ كَانَ مَاتَ، وَالْمَعْنَى أَنَّ سَعْدَ بْنَ خَوْلَةَ، وَهُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يَكْرَهُونَ الْإِقَامَةَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هَاجَرُوا مِنْهَا، وَتَرَكُوهَا مَعَ حُبِّهِمْ فِيهَا لِلَّهِ تَعَالَى، فَمِنْ ثَمَّ خَشِيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَنْ يَمُوتَ بِهَا، وَتَوَجَّعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِسَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ لِكَوْنِهِ مَاتَ بِهَا، وَأَفَادَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ الْقَائِلَ يَرْثِي لَهُ. . . إِلَخْ هُوَ الزُّهْرِيُّ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ هَاشِمَ بْنَ هَاشِمٍ، وَسَعْدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ رَوَيَا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، فَلَمْ يَذْكُرَا ذَلِكَ فِيهِ، وَكَذَا فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهَا، كَمَا سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَصَايَا مَعَ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، وَذِكْرِ الِاخْتِلَافِ فِي تَسْمِيَةِ الْبِنْتِ الْمَذْكُورَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٣٧ - بَاب مَا يُنْهَى مِنْ الْحَلْقِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ
١٢٩٦ وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُخَيْمِرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى ﵁ قَالَ: وَجِعَ أَبُو مُوسَى وَجَعًا، فَغُشِيَ عَلَيْهِ وَرَأْسُهُ فِي حَجْرِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهَا شَيْئًا، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ بَرِئَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؛ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَرِئَ مِنْ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَا يُنْهَى مِنَ الْحَلْقِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا التَّرْكِيبِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنَ النِّيَاحَةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَعَلَى الْحِكْمَةِ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى الْحَلْقِ دُونَ مَا ذُكِرَ مَعَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ: عِنْدَ الْمُصِيبَةِ قَصْرٌ لِلْحُكْمِ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى) هُوَ الْقَنْطَرِيُّ بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ وَنُونٍ سَاكِنَةٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَقْتِ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ وَهُوَ وَهْمٌ، فَإِنَّ الَّذِينَ جَمَعُوا رِجَالَ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ أَطْبَقُوا عَلَى تَرْكِ ذِكْرِهِ فِي شُيُوخِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ. وَقَدْ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى. وَكَذَا ابْنُ حِبَّانَ فَقَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ) هُوَ ابْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ. وَمُخَيْمِرَةُ بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ مُصَغَّرٌ.
قَوْلُهُ: (وَجِعَ) بِكَسْرِ الْجِيمِ.
قَوْلُهُ: (فِي حِجْرِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ) زَادَ مُسْلِمٌ: فَصَاحَتْ. وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَخْرَةَ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ وَغَيْرِهِ: قَالُوا: أُغْمِيَ عَلَى أَبِي مُوسَى، فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ تَصِيحُ بِرَنَّةٍ. الْحَدِيثَ. وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ امْرَأَةِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي مُوسَى. . . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ دُونَ الْقِصَّةِ. وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ رِبْعِيٍّ قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى أَبِي مُوسَى فَصَاحَتِ امْرَأَتُهُ بِنْتُ أَبِي دَوْمَةَ. فَحَصَلْنَا عَلَى أَنَّهَا أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتُ أَبِي دَوْمَةَ، وَأَفَادَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي تَارِيخِ الْبَصْرَةِ أَنَّ اسْمَهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ دَمُونَ، وَأَنَّهَا وَالِدَةُ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، وَأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ حَيْثُ كَانَ أَبُو مُوسَى أَمِيرًا عَلَى الْبَصْرَةِ مِنْ قِبَلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁.
قَوْلُهُ: (إِنِّي بَرِيءٌ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: أَنَا بَرِيءٌ. وَكَذَا لِمُسْلِمٍ.
قَوْلُهُ: (الصَّالِقَةُ) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ؛ أَيِ الَّتِي تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالْبُكَاءِ، وَيُقَالُ فِيهِ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ الصَّادِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ﴾ وَعَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: