بِخَيْرٍ، فَشُبِّهَتْ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ بِالْحَرَارَةِ وَوَصْلُهَا بِالْمَاءِ الَّذِي يُطْفِئُ بِبَرْدِهِ الْحَرَارَةَ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ وَلَوْ بِالسَّلَامِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ: شَبَّهَ الرَّحِمَ بِالْأَرْضِ الَّتِي إِذَا وَقَعَ عَلَيْهَا الْمَاءُ وَسَقَاهَا حَقَّ سُقْيِهَا أَزْهَرَتْ وَرُؤِيَتْ فِيهَا النَّضَارَةُ فَأَثْمَرَتِ الْمَحَبَّةَ وَالصَّفَاءَ، وَإِذَا تُرِكَتْ بِغَيْرِ سَقْيٍ يَبِسَتْ وَبَطَلَتْ مَنْفَعَتُهَا فَلَا تُثْمِرُ إِلَّا الْبَغْضَاءَ وَالْجَفَاءَ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ سَنَةٌ جَمَادٌ أَيْ لَا مَطَرَ فِيهَا، وَنَاقَةٌ جَمَادٌ أَيْ لَا لَبَنَ فِيهَا. وَجَوَّزَ الْخَطَّابِيُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ: أَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا فِي الْآخِرَةِ أَيْ أَشْفَعُ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَتَعَقَّبَهُ الدَّاوُدِيُّ بِأَنَّ سِيَاقَ الْحَدِيثِ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا يَصِلُهُمْ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قُرَيْشًا فَاجْتَمَعُوا، فَعَمَّ وَخَصَّ - إِلَى أَنْ قَالَ - يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا وَأَصْلُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: فِي قَوْلِهِ: بِبَلَالِهَا مُبَالَغَةٌ بَدِيعَةٌ وَهِيَ مِثْلُ قَوْلِهِ: ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا﴾ أَيْ زِلْزَالَهَا الشَّدِيدَ الَّذِي لَا شَيْءَ فَوْقَهُ، فَالْمَعْنَى أَبُلُّهَا بِمَا اشْتُهِرَ وَشَاعَ بِحَيْثُ لَا أَتْرُكُ مِنْهُ شَيْئًا.
١٥ - بَاب لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ
٥٩٩١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ الْأَعْمَشِ، وَالْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو، وَفِطْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - قَالَ سُفْيَانُ: لَمْ يَرْفَعْهُ الْأَعْمَشُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَرَفَعَهُ حَسَنٌ، وَفِطْرٌ - عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا.
قَوْلُهُ: (بَابُ لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ) التَّعْرِيفُ فِيهِ لِلْجِنْسِ.
قَوْلُهُ: (سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ ; وَالْحَسَنُ بْنُ عَمْرٍو الْفُقَيْمِيُّ بِفَاءٍ وَقَافٍ مُصَغَّرٌ، وَفِطْرٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ رَاءٌ هُوَ ابْنُ خَلِيفَةَ.
قَوْلُهُ: (عَنْ مُجَاهِدٍ) أَيِ الثَّلَاثَةُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو هُوَ ابْنُ الْعَاصِ، وَقَوْلُهُ: قَالَ سُفْيَانُ هُوَ الرَّاوِي، وَهُوَ مَوْصُولٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَقَوْلُهُ: لَمْ يَرْفَعْهُ الْأَعْمَشُ وَرَفْعُهُ حَسَنٌ وَفِطْرٌ وهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو وَحْدَهُ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ مُؤَمِّلِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو مَوْقُوفًا وَعَنِ الْأَعْمَشِ مَرْفُوعًا، وَتَابَعَهُ أَبُو قُرَّةَ مُوسَى بْنُ طَارِقٍ، عَنِ الثَّوْرِيِّ عَلَى رَفْعِ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ، وَخَالَفَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ فَرَفَعَ رِوَايَةَ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ رِوَايَةَ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ مَرْفُوعَةٌ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ فِطْرٍ، وَبَشِيرِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ كِلَاهُمَا عَنْ مُجَاهِدٍ مَرْفُوعًا، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ شُيُوخِهِ عَنْ فِطْرٍ مَرْفُوعًا وَزَادَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ: إِنَّ الرَّحِمَ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ، وَلَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ) أَيِ الَّذِي يُعْطِي لِغَيْرِهِ نَظِيرَ مَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ، وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا لَيْسَ الْوَصْلُ أَنْ تَصِلَ مَنْ وَصَلَكَ، ذَلِكَ الْقِصَاصُ، وَلَكِنَّ الْوَصْلَ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ.
قَوْلُهُ: (وَلَكِنَّ) قَالَ الطِّيبِيُّ: الرِّوَايَةُ فِيهِ بِالتَّشْدِيدِ، وَيَجُوزُ التَّخْفِيفُ.
قَوْلُهُ: (الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمَهُ وَصَلَهَا) أَيِ الَّذِي إِذَا مُنِعَ أَعْطَى، وَقُطِعَتْ ضُبِطَتْ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَفِي أَكْثَرِهَا بِفَتْحَتَيْنِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الْمَعْنَى لَيْسَتْ حَقِيقَةُ الْوَاصِلِ وَمَنْ يُعْتَدُّ بِصِلَتِهِ مَنْ يُكَافِئُ صَاحِبَهُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ، وَلَكِنَّهُ مَنْ يَتَفَضَّلُ عَلَى صَاحِبِهِ. وَقَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ الْمُرَادُ