بِغَسْلِهِ، بِخِلَافِ الْيَدِ فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى غَمْسِهَا، وَهَذَا أَقْوَى الْجَوَابَيْنِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا اخْتِصَاصَ لِذَلِكَ بِمَحَلِّ الِاسْتِجْمَارِ مَا رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِي آخِرِهِ أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ مِنْهُ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ دُونَ قَوْلِهِ مِنْهُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَفَرَّدَ بِهَا شُعْبَةُ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تَفَرَّدَ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ. قُلْتُ: إِنْ أَرَادَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، فَمُسَلَّمٌ، وَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقًا فَلَا، فَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: تَابَعَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ شُعْبَةَ، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ الْأَخْذُ بِالْوَثِيقَةِ، وَالْعَمَلُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَةِ، وَالْكِنَايَةُ عَمَّا يُسْتَحْيَا مِنْهُ إِذَا حَصَلَ الْإِفْهَامُ بِهَا، وَاسْتِحْبَابُ غَسْلِ النَّجَاسَةِ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ أَمَرَنَا بِالتَّثْلِيثِ عِنْدَ تَوَهُّمِهَا فَعِنْدَ تَيَقُّنِهَا أَوْلَى. وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ قَوْمٌ فَوَائِدَ أُخْرَى فِيهَا بُعْدٌ، مِنْهَا أَنَّ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ مَخْصُوصٌ بِالرُّخْصَةِ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ (١)، وَمِنْهَا إِيجَابُ الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ، قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وَمِنْهَا تَقْوِيَةُ مَنْ يَقُولُ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ، حَكَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَمِنْهَا أَنَّ الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِإِدْخَالِ الْيَدِ فِيهِ لِمَنْ أَرَادَ الْوُضُوءَ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ صَاحِبُ الْخِصَالِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ.
٢٧ - بَاب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ
١٦٣ - حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ النَّبِيُّ ﷺ عَنَّا فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَنَا الْعَصْرُ، فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ - مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا -.
قَوْلُهُ: (بَابُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَزَادَ أَبُو ذَرٍّ وَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي مُوسَى) ابْنُ إِسْمَاعِيلَ هُوَ التَّبُوذَكِيُّ.
قَوْلُهُ: (عَنَّا فِي سَفْرَةٍ) زَادَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ سَافَرْنَاهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ لِمُسْلِمٍ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ مُحَقَّقًا إِلَّا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، أَمَّا غَزْوَةُ الْفَتْحِ فَقَدْ كَانَ فِيهَا لَكِنْ مَا رَجَعَ النَّبِيُّ ﷺ فِيهَا إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ مَكَّةَ، بَلْ مِنَ الْجِعِرَّانَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ؛ فَإِنَّ هِجْرَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كَانَتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (أَرْهَقَنَا) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْقَافِ وَالْعَصْرُ مَرْفُوعٌ بِالْفَاعِلِيَّةِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ. وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ بِإِسْكَانِ الْقَافِ وَالْعَصْرَ مَنْصُوبٌ بِالْمَفْعُولِيَّةِ، وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ رِوَايَةُ الْأَصِيلِيِّ أَرْهَقَتْنَا بِفَتْحِ الْقَافِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ سَاكِنَةٌ. وَمَعْنَى الْإِرْهَاقِ الْإِدْرَاكُ وَالْغِشْيَانُ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: كَأَنَّ الصَّحَابَةَ أَخَّرُوا الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ طَمَعًا أَنْ يَلْحَقَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ فَيُصَلُّوا مَعَهُ، فَلَمَّا ضَاقَ الْوَقْتُ بَادَرُوا إِلَى الْوُضُوءِ وَلِعَجَلَتِهِمْ لَمْ يُسْبِغُوهُ، فَأَدْرَكَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ. قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَأْخِيرِهِمْ قَالَهُ احْتِمَالًا، وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونُوا أَخَّرُوا؛ لِكَوْنِهِمْ عَلَى طُهْرٍ أَوْ لِرَجَاءِ الْوُصُولِ إِلَى الْمَاءِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ أَيْ: قُرْبَ دُخُولِ وَقْتِهَا فَتَوَضَّؤُوا وَهُمْ عِجَالٌ.
قَوْلُهُ: (وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا) انْتَزَعَ مِنْهُ الْبُخَارِيُّ أَنَّ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ كَانَ بِسَبَبِ الْمَسْحِ لَا بِسَبَبِ الِاقْتِصَارِ عَلَى غَسْلِ بَعْضِ الرِّجْلِ، فَلِهَذَا قَالَ فِي التَّرْجَمَةِ: وَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ، وَهَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَفِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ بِيضٌ تَلُوحُ
(١) في مخطوط الرياض"الخفاف"