بِسَنَدٍ وَاهٍ وَالطَّبَرَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا بِقَوْمٍ يَتَحَدَّثُونَ وَيَضْحَكُونَ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ. فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ. وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ مَوْرِدُهُ، وَالْقِيَامَةَ مَوْعِدُهُ، وَالْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ - تَعَالَى - مَشْهَدُهُ، فَحَقُّهُ أَنْ يَطُولَ فِي الدُّنْيَا حُزْنُهُ. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ صِنَاعَةِ الْبَدِيعِ مُقَابَلَةُ الضَّحِكِ بِالْبُكَاءِ وَالْقِلَّةِ بِالْكَثْرَةِ وَمُطَابَقَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا.
٢٨ - بَاب حُجِبَتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ
٦٤٨٧ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: حُجِبَتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ.
قَوْلُهُ: بَابُ حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ كَذَا لِلْجَمِيعِ، وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ حُفَّتْ بَدَلَ حُجِبَتْ أَيْ غُطِّيَتْ بِهَا، فَكَانَتِ الشَّهَوَاتُ سَبَبًا لِلْوُقُوعِ فِي النَّارِ.
قَوْلُهُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنِي مَالِكٌ) هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ فِي الْمُوَطَّأِ، وَقَدْ ضَاقَ عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيِّ مَخْرَجُهُ فَأَخْرَجَهُ عَنْ الْهَيْثَمِ بْنِ خَلَفٍ، عَنِ الْبُخَارِيِّ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ الْغَرَائِبُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ، وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ دَاوُدَ، وَإِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيِّ أَيْضًا عَنْ مَالِكٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ بِهِ لَكِنْ وَقَفَهُ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي الزِّنَادِ) فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ دَاوُدَ أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ.
قَوْلُهُ: (عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ دَاوُدَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ.
قَوْلُهُ: (حُجِبَتْ) كَذَا لِلْجَمِيعِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ إِلَّا الْفَرْوِيَّ فَقَالَ حُفَّتْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَكَذَا هُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ وَرْقَاءَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ. وَهُوَ مِنْ جَوَامِعِ كَلِمِهِ ﷺ وَبَدِيعِ بَلَاغَتِهِ فِي ذَمِّ الشَّهَوَاتِ وَإِنْ مَالَتْ إِلَيْهَا النُّفُوسُ، وَالْحَضِّ عَلَى الطَّاعَاتِ وَإِنْ كَرِهَتْهَا النُّفُوسُ وَشَقَّ عَلَيْهَا، وَقَدْ وَرَدَ إِيضَاحُ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ إِلَى الْجَنَّةِ فَقَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا، قَالَ: فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا، فَرَجَعَ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ. قَالَ: اذْهَبْ إِلَى النَّارِ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَرَجَعَ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهَا، فَرَجَعَ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ. فَهَذَا يُفَسِّرُ رِوَايَةَ الْأَعْرَجِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَكَارِهِ هُنَا مَا أُمِرَ الْمُكَلَّفُ بِمُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ فِيهِ فِعْلًا وَتَرْكًا، كَالْإِتْيَانِ بِالْعِبَادَاتِ عَلَى وَجْهِهَا وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ قَوْلًا وَفِعْلًا.
وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا الْمَكَارِهَ لِمَشَقَّتِهَا عَلَى الْعَامِلِ وَصُعُوبَتِهَا عَلَيْهِ، وَمَنْ جُمْلَتِهَا الصَّبْرُ عَلَى الْمُصِيبَةِ، وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ فِيهَا ; وَالْمُرَادُ بِالشَّهَوَاتِ مَا يُسْتَلَذُّ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مِمَّا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ تَعَاطِيهِ إِمَّا بِالْأَصَالَةِ، وَإِمَّا لِكَوْنِ فِعْلِهِ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ شَيْءٍ مِنَ الْمَأْمُورَاتِ، وَيُلْتَحَقُ بِذَلِكَ الشُّبُهَاتُ، وَالْإِكْثَارُ مِمَّا أُبِيحَ خَشْيَةَ أَنْ يُوقِعَ فِي الْمُحَرَّمِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا يُوصَلُ إِلَى الْجَنَّةِ إِلَّا بِارْتِكَابِ الْمَشَقَّاتِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالْمَكْرُوهَاتِ، وَلَا إِلَى النَّارِ إِلَّا بِتَعَاطِي الشَّهَوَاتِ، وَهُمَا مَحْجُوبَتَانِ، فَمَنْ هَتَكَ الْحِجَابَ اقْتَحَمَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخَبَرُ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ فَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ. وَقَوْلُهُ حُفَّتْ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءُ مِنَ الْحِفَافِ وَهُوَ مَا يُحِيطُ بِالشَّيْءِ حَتَّى لَا يُتَوَصَّلَ إِلَيْهِ إِلَّا