للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْمَيْلُ وَالْعُدُولُ عَنِ الشَّيْءِ، وَقِيلَ لِلْمَائِلِ عَنِ الدِّينِ: مُلْحِدٌ، وَسُمِّيَ اللَّحْدُ لِأَنَّهُ شَقٌّ يُعْمَلُ فِي جَانِبِ الْقَبْرِ، فَيَمِيلُ عَنْ وَسَطِ الْقَبْرِ إِلَى جَانِبِهِ بِحَيْثُ يَسَعُ الْمَيِّتَ فَيُوضَعُ فِيهِ وَيُطْبَقُ عَلَيْهِ اللَّبِنُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفُ بَعْدُ: وَلَوْ كَانَ مُسْتَقِيمًا لَكَانَ ضَرِيحًا. فَلِأَنَّ الضَّرِيحَ شَقٌّ فِي الْأَرْضِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ وَيُدْفَنُ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (مُلْتَحَدًا: مَعْدِلًا) هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةِ بْنِ الْمُثَنَّى فِي كِتَابِ الْمَجَازِ. قَالَ: قَوْلُهُ ﴿مُلْتَحَدًا﴾، أَيْ مَعْدِلًا. وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: مَعْنَاهُ: وَلَنْ تَجِدْ مِنْ دُونِهِ مَعْدِلًا تَعْدِلُ إِلَيْهِ عَنِ اللَّهِ، لِأَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ مُحِيطَةٌ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ. قَالَ: وَالْمُلْتَحَدُ مُفْتَعَلٌ مِنَ اللَّحْدِ، يُقَالُ مِنْهُ: لَحِدْتُ إِلَى كَذَا إِذَا مِلْتَ إِلَيْهِ. انْتَهَى. وَيُقَالُ: لَحِدْتُهُ وَأَلْحَدْتُهُ، قَالَ الْفَرَّاءُ: الرُّبَاعِيُّ أَجْوَدُ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الثُّلَاثِيُّ أَكْثَرُ. وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ دَفْنِ النَّبِيِّ : فَأَرْسَلُوا إِلَى الشَّقَّاقِ وَاللَّاحِدِ، الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ.

ثُمَّ سَاقَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ جَابِرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ اللَّيْثِ مُتَّصِلًا، وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ مُنْقَطِعًا، لِأَنَّ ابْنَ شِهَابٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ. زَادَ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، قَالَ: زَمِّلُوهُمْ بِجِرَاحِهِمْ، فَإِنِّي أَنَا الشَّهِيدُ عَلَيْهِمْ، مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَسِيلُ دَمًا. الْحَدِيثَ.

قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ (فَكُفِّنَ أَبِي وَعَمِّي فِي نَمِرَةٍ) هِيَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ: بُرْدَةٌ مِنْ صُوفٍ أَوْ غَيْرِهِ مُخَطَّطَةٌ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ دُرَّاعَةٌ فِيهَا لَوْنَانِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ، وَيُقَالُ لِلسَّحَابَةِ إِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ: نَمِرَةٌ، وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ فِي الْمَغَازِي وَابْنُ سَعْدٍ أَنَّهُمَا كُفِّنَا فِي نَمِرَتَيْنِ، فَإِنْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى أَنَّ النَّمِرَةَ الْوَاحِدَةَ شُقَّتْ بَيْنَهُما نِصْفَيْنِ، وَسَيَأْتِي مَزِيدٌ لِذَلِكَ بَعْدَ بَابَيْنِ. وَالرَّجُلُ الَّذِي كُفِّنَ مَعَهُ فِي النَّمِرَةِ كَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي دُفِنَ مَعَهُ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى تَسْمِيَتِهِ بَعْدَ بَابٍ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ إِلَخْ) هُوَ مَوْصُولٌ فِي الزُّهْرِيَّاتِ لِلذُّهْلِيِّ، وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ الْمَذْكُورِ إِبْهَامُ شَيْخِ الزُّهْرِيِّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ قَبْلَ بَابَيْنِ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي التَّتَبُّعِ: اضْطَرَبَ فِيهِ الزُّهْرِيُّ، وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الِاضْطِرَابِ لِأَنَّ الْحَاصِلَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ عَلَى الثِّقَاتِ أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَمَلَهُ عَنْ شَيْخَيْنِ، وَأَمَّا إِبْهَامُ سُلَيْمَانَ لِشَيْخِ الزُّهْرِيُّ وَحَذْفُ الْأَوْزَاعِيِّ لَهُ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مَنْ سَمَّاهُ، لِأَنَّ الْحُجَّةَ لِمَنْ ضَبَطَ وَزَادَ إِذَا كَانَ ثِقَةً، لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ حَافِظًا، وَأَمَّا رِوَايَةُ أُسَامَةَ، وَابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَلَا تَقْدَحُ فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ لِضَعْفِهِمَا، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْبُخَارِيَّ صَرَّحَ بِغَلَطِ أُسَامَةَ فِيهِ.

وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ فَوَائِدِ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي الْمَغَازِي، وَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ، وَيَلْحَقُ بِهِ أَهْلُ الْفِقْهِ وَالزُّهْدِ وَسَائِرِ وُجُوهِ الْفَضْلِ.

٧٦ - بَاب الْإِذْخِرِ وَالْحَشِيشِ فِي الْقَبْرِ

١٣٤٩ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي. أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ؛ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ. فَقَالَ الْعَبَّاسُ : إِلَّا الْإِذْخِرَ؛ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا؟ فَقَالَ: إِلَّا الْإِذْخِرَ.

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : عَنْ النَّبِيِّ : لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا.

وَقَالَ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ: عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ مِثْلَهُ.