قَوْلُهُ: (بَابُ السَّلَمِ فِي وَزْنٍ مَعْلُومٍ) أَيْ: فِيمَا يُوزَنُ، وَكَأَنَّهُ يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ مَا يُوزَنُ لَا يُسْلَمُ فِيهِ مَكِيلًا وَبِالْعَكْسِ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْجَوَازُ، وَحَمَلَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى مَا يُعَدُّ الْكَيْلُ فِي مِثْلِهِ ضَابِطًا، وَاتَّفَقُوا عَلَى اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ الْكَيْلِ فِيمَا يُسْلَمُ فِيهِ مِنَ الْمَكِيلِ، كَصَاعِ الْحِجَازِ، وَقَفِيزِ الْعِرَاقِ، وَإِرْدَبِّ مِصْرَ، بَلْ مَكَايِيلُ هَذِهِ الْبِلَادِ فِي نَفْسِهَا مُخْتَلِفَةٌ، فَإِذَا أُطْلِقَ صُرِفَ إِلَى الْأَغْلَبِ. وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَاضِي فِي الْبَابِ قَبْلَهُ، ذَكَرَهُ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ مَشَايِخِهِ حَدَّثُوهُ بِهِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ فِي الْأُولَى: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ الْحَدِيثَ، وَقَالَ فِي الثَّانِيَةِ: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَلَمْ يَذْكُرِ الْوَزْنَ، وَذَكَرَهُ فِي الثَّالِثَةِ. وَصَرَّحَ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى بِالْإِخْبَارِ بَيْنَ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَقَوْلُهُ: فِي شَيْءٍ أُخِذَ مِنْهُ جَوَازُ السَّلَمِ فِي الْحَيَوَانِ إِلْحَاقًا لِلْعَدَدِ بِالْكَيْلِ الْمُخَالِفِ فِيهِ الْحَنَفِيَّةُ، وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ عَنِ الْحَسَنِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ. ثَانِيهُمَا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى.
قَوْلُهُ: (عَنِ ابْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ) كَذَا أَبْهَمَهُ أَبُو الْوَلِيدِ، عَنْ شُعْبَةَ، وَسَمَّاهُ غَيْرُهُ عَنْهُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي الْمُجَالِدِ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْرَدَهُ عَلَى الشَّكِّ مُحَمَّدًا، وَعَبْدَ اللَّهِ، وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثَ، وَأَوْرَدَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَالَ مَرَّةً: مُحَمَّدٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ وَجَمَاعَةٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، فَقَالَ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ وَلَمْ يَشُكَّ فِي اسْمِهِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ فِي الْمُحَمَّدِينِ، وَجَزَمَ أَبُو دَاوُدَ بِأَنَّ اسْمَهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ حِبَّانَ وَوَصَفَهُ بِأَنَّهُ كَانَ صِهْرَ مُجَاهِدٍ، وَبِأَنَّهُ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ، وَكَانَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، وَوَثَّقَهُ أَيْضًا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ.
قَوْلُهُ: (اخْتَلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شِدَادٍ) أَيِ: ابْنُ الْهَادِ اللَّيْثِيُّ، وَهُوَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ (وَأَبُو بُرْدَةَ) أَيِ: ابْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ.
قَوْلُهُ: (فِي السَّلَفِ) أَيْ: هَلْ يَجُوزُ السَّلَمُ إِلَى مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ الْمُسْلَمُ فِيهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَمْ لَا؟ وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ كَذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَسَأَلْتُ ابْنَ أَبْزَى) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْخُزَاعِيُّ أَحَدُ صِغَارِ الصَّحَابَةِ، وَلِأَبِيهِ أَبْزَى صُحْبَةٌ عَلَى الرَّاجِحِ، وَهُوَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالزَّايِ وَزْنَ أَعْلَى، وَوَجْهُ إِيرَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ السَّلَمِ فِي وَزْنٍ مَعْلُومٍ، الْإِشَارَةُ إِلَى مَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَهُوَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِلَفْظِ: فَنُسْلِفُهُمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ؛ لِأَنَّ الزَّيْتَ مِنْ جِنْسِ مَا يُوزَنُ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي السَّلَمِ مَا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْكَيْلِ الْمَعْلُومِ وَالْوَزْنِ الْمَعْلُومِ، فَإِنْ كَانَ فِيمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ عَدَدٍ مَعْلُومٍ. قُلْتُ: أَوْ ذَرْعٌ مَعْلُومٌ، وَالْعَدَدُ وَالذَّرْعُ مُلْحَقٌ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ؛ لِلْجَامِعِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ عَدَمُ الْجَهَالَةِ بِالْمِقْدَارِ، وَيَجْرِي فِي الذَّرْعِ مَا تَقَدَّمَ شَرْطُهُ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ مِنْ تَعْيِينِ الذِّرَاعِ؛ لِأَجْلِ اخْتِلَافِهِ فِي الْأَمَاكِنِ.
وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ صِفَةِ الشَّيْءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ صِفَةً تُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضَ لِذِكْرِ مَا كَانُوا يُهْمِلُونَهُ.
٣ - بَاب السَّلَم إِلَى مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ أَصْلٌ
٢٢٤٤، ٢٢٤٥ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْمُجَالِدِ، قَالَ: بَعَثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ، وَأَبُو بُرْدَةَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى ﵄، فَقَالَا: سَلْهُ: هَلْ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ يُسْلِفُونَ فِي الْحِنْطَةِ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنَّا نُسْلِفُ نَبِيطَ أَهْلِ الشَّأْمِ فِي الْحِنْطَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute