للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُنَادَى عَلَيْهِمْ عَلَى رُؤوسِ الْأَشْهَادِ بِاللَّعْنَةِ. قُلْتُ: قَدِ اسْتَشْعَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا؛ فَأَوْرَدَ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَعَهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ: إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ يَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجنَةِ. .

الْحَدِيثَ، فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالذُّنُوبِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَا يَكُونُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَرَبِّهِ دُونَ مَظَالِمِ الْعِبَادِ، فَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى الْمُقَاصَصَةِ، وَدَلَّ حَدِيثُ الشَّفَاعَةِ أَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعُصَاةِ يُعَذَّبُ بِالنَّارِ ثُمَّ يُخْرَجُ مِنْهَا بِالشَّفَاعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ، فَدَلَّ مَجْمُوعُ هذه الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ الْعُصَاةَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْقِيَامَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَنْ مَعْصِيَتُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، فَدَلَّ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْقِسْمَ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ تَكُونُ مَعْصِيَتُهُ مَسْتُورَةً فِي الدُّنْيَا فَهَذَا الَّذِي يَسْتُرُهَا اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْقِيَامَةِ وَهُوَ بِالْمَنْطُوقِ، وَقِسْمٌ تَكُونُ مَعْصِيَتُهُ مُجَاهَرَةً فَدَلَّ مَفْهُومُهُ عَلَى أَنَّهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَنْ تَكُونُ مَعْصِيَتُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِبَادِ فَهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ أَيْضًا: قِسْمٌ تَرْجَحُ سَيِّئَاتُهُمْ عَلَى حَسَنَاتِهِمْ فَهَؤُلَاءِ يَقَعُونَ فِي النَّارِ، ثُمَّ يُخْرَجُونَ بِالشَّفَاعَةِ، وَقِسْمٌ تَتَسَاوَى سَيِّئَاتُهُمْ وَحَسَنَاتُهُمْ فَهَؤُلَاءِ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَقَعَ بَيْنَهُمُ التَّقَاصُّ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يَفْعَلَهُ (١) بِاخْتِيَارِهِ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ وَهُوَ يَفْعَلُ فِي عِبَادِهِ مَا يَشَاءُ.

٦١ - بَاب الْكِبْرِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ مُسْتَكْبِرا فِي نَفْسِهِ عِطْفُهُ رَقَبَتُهُ

٦٠٧١ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ الْقَيْسِيُّ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ النَّبِيِّ ، قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَاعِفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ.

قَوْلُهُ: (بَابُ الْكِبْرِ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ رَاءٌ، قَالَ الرَّاغِبُ: الْكِبْرُ وَالتَّكَبُّرُ وَالِاسْتِكْبَارُ مُتَقَارِبٌ، فَالْكِبْرُ الْحَالَةُ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا الْإِنْسَانُ مِنْ إِعْجَابِهِ نَفْسِهِ. وَذَلِكَ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ أَكْبَرَ مِنْ غَيْرِهِ، وَأَعْظَمُ ذَلِكَ أَنْ يَتَكَبَّرَ عَلَى رَبِّهِ بِأَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ وَالْإِذْعَانِ لَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَةِ. وَالتَّكَبُّرُ يَأْتِي عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ الْأَفْعَالُ الْحَسَنَةُ زَائِدَةً عَلَى مَحَاسِنِ الْغَيْرِ وَمِنْ ثَمَّ وُصِفَ بِالْمُتَكَبِّرِ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُتَكَلِّفًا لِذَلِكَ مُتَشَبِّعًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ، وَهُوَ وَصْفُ عَامَّةِ النَّاسِ نَحْوَ قَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ وَالْمُسْتَكْبِرُ مِثْلَهُ، وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: الْكِبْرُ عَلَى قِسْمَيْنِ: فَإِنْ ظَهَرَ عَلَى الْجَوَارِحِ يُقَالُ: تَكَبَّرَ، وَإِلَّا قِيلَ: فِي نَفْسِهِ كِبْرٌ. وَالْأَصْلُ هُوَ الَّذِي فِي النَّفْسِ وَهُوَ الِاسْتِرْوَاحُ إِلَى رُؤْيَةِ النَّفْسِ، وَالْكِبْرُ يَسْتَدْعِي مُتَكَبَّرًا عَلَيْهِ يَرَى نَفْسَهُ فَوْقَهُ وَمُتَكَبَّرًا بِهِ، وَبِهِ يَنْفَصِلُ الْكِبْرُ عَنِ الْعُجْبِ، فَمَنْ لَمْ يُخْلَقْ إِلَّا وَحْدَهُ يَتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُعْجَبًا لَا مُتَكَبِّرًا.

قَوْلُهُ: (وَقَالَ

٦٠٧٢ - وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: "إِنْ كَانَتْ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ".


(١) هكذا بياض بالأصل.