للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تَسَاقُطَ أَهْلِ الْمَعَاصِي فِي نَارِ الْآخِرَةِ بِتَسَاقُطِ الْفَرَاشِ فِي نَارِ الدُّنْيَا.

قَوْلُهُ: تَقَحَّمُونَ فِيهَا فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَيَغْلِبُونِّي النُّونُ مُثَقَّلَةٌ لِأَنَّ أَصْلَهُ فَيَغْلِبُونَنِي، وَالْفَاءُ سَبَبِيَّةٌ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ لِأُخَلِّصَكُمْ مِنَ النَّارِ فَجَعَلْتُمُ الْغَلَبَةَ مُسَبَّبَةً عَنِ الْأَخْذِ.

قَوْلُهُ: (تَقَحَّمُونَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْقَافِ وَالْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَالْأَصْلُ تَتَقَحَّمُونَ فَحُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، قَالَ الطِّيبِيُّ: تَحْقِيقُ التَّشْبِيهِ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ وَذَلِكَ أَنَّ حُدُودَ اللَّهِ مَحَارِمُهُ وَنَوَاهِيهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، وَرَأْسُ الْمَحَارِمِ حُبُّ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَاسْتِيفَاءُ لَذَّتِهَا وَشَهَوَاتِهَا، فَشَبَّهَ إِظْهَارَ تِلْكَ الْحُدُودِ بِبَيَانَاتِهِ الشَّافِيَةِ الْكَافِيَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِاسْتِنْقَاذِ الرِّجَالِ مِنَ النَّارِ، وَشَبَّهَ فُشُوَّ ذَلِكَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا بِإِضَاءَةِ تِلْكَ النَّارِ مَا حَوْلَ الْمُسْتَوْقَدِ، وَشَبَّهَ النَّاسَ وَعَدَمَ مُبَالَاتِهِمْ بِذَلِكَ الْبَيَانِ وَالْكَشْفِ وَتَعَدِّيَهُمْ حُدُودَ اللَّهِ وَحِرْصَهُمْ عَلَى اسْتِيفَاءِ تِلْكَ اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَمَنْعَهُ إِيَّاهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِأَخْذِ حُجَزِهِمْ بِالْفَرَاشِ الَّتِي تَقْتَحِمْنَ فِي النَّارِ وَتَغْلِبْنَ الْمُسْتَوْقِدَ عَلَى دَفْعِهِنَّ عَنْ الِاقْتِحَامِ، كَمَا أَنَّ الْمُسْتَوْقِدَ كَانَ غَرَضُهُ مِنْ فِعْلِهِ انْتِفَاعَ الْخَلْقِ بِهِ مِنَ الِاسْتِضَاءَةِ وَالِاسْتِدْفَاءِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَالْفَرَاشُ لِجَهْلِهَا جَعَلَتْهُ سَبَبًا لِهَلَاكِهَا، فَكَذَلِكَ كَانَ الْقَصْدُ بِتِلْكَ الْبَيَانَاتِ اهْتِدَاءَ الْأُمَّةِ وَاجْتِنَابَهَا مَا هُوَ سَبَبُ هَلَاكِهِمْ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لِجَهْلِهِمْ جَعَلُوهَا مُقْتَضِيَةً لِتَرَدِّيهِمْ، وَفِي قَوْلِهِ آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ اسْتِعَارَةٌ مِثْلُ حَالَةِ مَنْعِهِ الْأُمَّةِ عَنِ الْهَلَاكِ بِحَالَةِ رَجُلٍ أَخَذَ بِحُجْزَةِ صَاحِبِهِ الَّذِي يَكَادُ يَهْوِي فِي مَهْوَاةِ مُهْلِكَةٍ.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ؛ قَوْلُهُ: (زَكَرِيَّا) هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، وَعَامِرٌ هُوَ الشَّعْبِيُّ.

قَوْلُهُ: الْمُسْلِمُ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ.

قَوْلُهُ: وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ قِيلَ خُصَّ الْمُهَاجِرُ بِالذِّكْرِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِفَوَاتِ ذَلِكَ بِفَتْحِ مَكَّةَ، فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ كَانَ هُوَ الْمُهَاجِرَ الْكَامِلَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لِلْمُهَاجِرِينَ أَنْ لَا يَتَّكِلُوا عَلَى الْهِجْرَةِ فَيُقَصِّرُوا فِي الْعَمَلِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُوتِيَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٢٧ - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ : لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا.

٦٤٨٥ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا.

[الحديث ٦٤٨٥ - طرفه في ٦٦٣٧]

٦٤٨٦ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ : لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا.

قَوْلُهُ: بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ إِلَخْ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ التَّرْجَمَةِ.

وَقَوْلُهُ: (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ) فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ اللَّيْثِ بِسَنَدِهِ أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ وحديث أنس كذلك، وهو طرف من حديث تقدم في تفسير المائدة ويأتي شرحه في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى، وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِعَظَمَةِ اللَّهِ وَانْتِقَامِهِ مِمَّنْ يَعْصِيهِ وَالْأَهْوَالُ الَّتِي تَقَعُ عِنْدَ النَّزْعِ وَالْمَوْتِ وَفِي الْقَبْرِ وَيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمُنَاسَبَةُ كَثْرَةِ الْبُكَاءِ وَقِلَّةِ الضَّحِكِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَاضِحَةٌ، وَالْمُرَادُ بِهِ التَّخْوِيفُ، وَقَدْ جَاءَ لِهَذَا الْحَدِيثِ سَبَبٌ أَخْرَجَهُ سُنَيْدٌ فِي تَفْسِيرِهِ