للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: فَجَمَعَ بَيْنَ عُنُقِي وَكَتِفِي، ثُمَّ قَالَ: أَقْبِلْ أَيْ سَعْدُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ، وَأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْإِقْبَالِ أَوْ بِالْقَبُولِ، وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِقْبَالًا أَيْ سَعْدُ. عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ أَيْ أَتُقَابِلُنِي قُبَالًا بِهَذِهِ الْمُعَارَضَةِ؟ وَسِيَاقُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَرِهَ مِنْهُ إِلْحَاحَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَشْفُوعَ لَهُ تَرَكَ السُّؤَالَ فَمُدِحَ.

قَوْلُهُ: (وَعَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحٍ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ الْحَسَنِ الْحَلْوَانِيِّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ.

قَوْلُهُ: (أَبُو عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ الْمُصَنِّفُ.

قَوْلُهُ: ﴿فَكُبْكِبُوا﴾ إِلَخْ) تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي الْإِيمَانِ، وَجَرَى الْمُصَنِّفُ عَلَى عَادَتِهِ فِي إِيرَادِ تَفْسِيرِ اللَّفْظَةِ الْغَرِيبَةِ إِذَا وَافَقَ مَا فِي الْحَدِيثِ مَا فِي الْقُرْآنِ. وقَوْلُهُ: (غَيْرَ وَاقِعٍ) أَيْ: لَازِمًا وَ (إِذَا وَقَعَ) أَيْ: إِذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا، وَالْغَرَضُ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ مِنَ النَّوَادِرِ حَيْثُ كَانَ الثُّلَاثِيُّ مُتَعَدِّيًا، وَالْمَزِيدُ فِيهِ لَازِمًا عَكْسُ الْقَاعِدَةِ التَّصْرِيفِيَّةِ، قِيلَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَلِفُ أُكَبُّ لِلصَّيْرُورَةِ.

قَوْلُهُ: (صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ) يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي الْإِسْنَادَيْنِ.

قَوْلُهُ: (أَكْبَرُ عنَ الزُّهْرِيِّ) يَعْنِي فِي السِّنِّ، وَمِثْلُ هَذَا جَاءَ عَنْ أَحْمَدَ، وَابْنِ مَعِينٍ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: كَانَ أَسَنَّ مِنَ الزُّهْرِيِّ، فَإِنَّ مَوْلِدَهُ سَنَةَ خَمْسِينَ، وَقِيلَ: بَعْدَهَا، وَمَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةً، وَقِيلَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ، وَأَمَّا صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ فَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً، وَقِيلَ: قَبْلَهَا. وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مِقْدَارِ عُمْرِهِ سِنًّا (١) تَعَقَبُّوهُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: أَدْرَكَ ابْنَ عُمَرَ يَعْنِي أَدْرَكَ السَّمَاعَ مِنْهُ، وَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَمُخْتَلَفٌ فِي لُقِيِّهِ لَهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ، وَإِنَّمَا يَرْوِي عَنِ ابْنِهِ سَالِمٍ عَنْهُ، وَالْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَهُمَا مِنَ ابْنِ عُمَرَ ثَبَتَ ذِكْرُ سَالِمٍ بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

رَابِعُهَا: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الدَّالُّ عَلَى ذَمِّ السُّؤَالِ وَمَدْحِ الِاكْتِسَابِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ الِاسْتِعْفَافِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ.

وَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمَسْكَنَةَ إِنَّمَا تُحْمَدُ مَعَ الْعِفَّةِ عَنِ السُّؤَالِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْحَاجَةِ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْحَيَاءِ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ، وَحُسْنُ الْإِرْشَادِ لِوَضْعِ الصَّدَقَةِ، وَأَنْ يَتَحَرَّى وَضْعَهَا فِيمَنْ صِفَتُهُ التَّعَفُّفُ دُونَ الْإِلْحَاحِ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْمِسْكِينِ، وَأَنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَهُ شَيْءٌ لَكِنَّهُ لَا يَكْفِيهِ، وَالْفَقِيرُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ﴾ فَسَمَّاهُمْ مَسَاكِينَ مَعَ أَنَّ لَهُمْ سَفِينَةً يَعْمَلُونَ فِيهَا، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، وَعَكَسَ آخَرُونَ فَقَالُوا: الْمِسْكِينُ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ، وَقَالَ آخَرُونَ: هُمَا سَوَاءٌ، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْحَابِ مَالِكٍ، وَقِيلَ: الْفَقِيرُ الَّذِي يَسْأَلُ، وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا يَسْأَلُ، حَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمِسْكِينَ مَنِ اتَّصَفَ بِالتَّعَفُّفِ وَعَدَمِ الْإِلْحَافِ فِي السُّؤَالِ، لَكِنْ قَالَ ابنُ بَطَّالٍ: مَعْنَاهُ الْمِسْكِينُ الْكَامِلُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ أَصْلِ الْمَسْكَنَةِ عَنِ الطَّوَافِ، بَلْ هِيَ كَقَوْلِهِ: أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟ الْحَدِيثَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ﴾ الْآيَةَ، وَكَذَا قَرَّرَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

٥٤ - بَاب خَرْصِ التمَرِ

١٤٨١ - حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبَّاسٍ السَّاعِدِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ غَزْوَةَ تَبُوكَ فَلَمَّا جَاءَ وَادِيَ الْقُرَى إِذَا امْرَأَةٌ فِي حَدِيقَةٍ لَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ لِأَصْحَابِهِ: اخْرُصُوا وَخَرَصَ رَسُولُ اللَّهِ عَشَرَةَ أَوْسُقٍ فَقَالَ لَهَا: أَحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَلَمَّا أَتَيْنَا تَبُوكَ


(١) في مخطوطة الرياض"شيئا"