وَابْنُ عَبَّاسٍ حَمَلَهَا عَلَى أَنْ يُوَادِدُوا النَّبِيَّ ﷺ مِنْ أَجْلِ الْقَرَابَةِ الَّتِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، فَعَلَى الْأَوَّلِ الْخِطَابُ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، وَعَلَى الثَّانِي الْخِطَابُ خَاصٌّ بِقُرَيْشٍ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَامًّا خُصَّ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ الْبَابِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصِلُ أَرْحَامَهَا، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ ﷺ قَطَعُوهُ فَقَالَ: صِلُونِي كَمَا تَصِلُونَ غَيْرِي مِنْ أَقَارِبِكُمْ. وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: أَكْثَرُوا عَلَيْنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَكَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ عَنْهَا فَكَتَبَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ وَاسِطَ النَّسَبِ فِي قُرَيْشٍ، لَمْ يَكُنْ حَيٌّ مِنْ أَحْيَاءِ قُرَيْشٍ إِلَّا وَلَدُهُ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ تَوَدُّونِي بِقَرَابَتِي مِنْكُمْ، وَتَحْفَظُونِي فِي ذَلِكَ.
وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا عَلَى مَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى إِلَّا أَنْ تَقَرَّبُوا إِلَى اللَّهِ بِطَاعَتِهِ، وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ. وَثَبَتَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ نَحْوُهُ، وَالْأَجْرُ عَلَى هَذَا مَجَازٌ. وَقَوْلُهُ الْقُرْبَى هُوَ مَصْدَرٌ كَالزُّلْفَى وَالْبُشْرَى بِمَعْنَى الْقَرَابَةِ، وَالْمُرَادُ فِي أَهْلِ الْقُرْبَى، وَعَبَّرَ بِلَفْظِ فِي دُونَ اللَّامِ كَأَنَّهُ جَعَلَهُمْ مَكَانًا لِلْمَوَدَّةِ وَمَقَرًّا لَهَا، كَمَا يُقَالُ: لِي فِي آلِ فُلَانٍ هَوًى، أَيْ هُمْ مَكَانُ هَوَايَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ فِي سَبَبِيَّةٌ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلٌ، فَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا فَالْمَعْنَى لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا قَطُّ، وَلَكِنْ أَسْأَلُكُمْ أَنْ تَوَدُّونِي بِسَبَبِ قَرَابَتِي فِيكُمْ.
٤٣ - سُورَةُ حم الزُّخْرُفِ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: عَلَى أُمَّةٍ: عَلَى إِمَامٍ. ﴿وَقِيلِهِ يَا رَبِّ﴾ تَفْسِيرُهُ: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ وَلَا نَسْمَعُ قِيلَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ لَوْلَا أَنْ جُعِلَ النَّاسُ كُلُّهُمْ كُفَّارًا، لَجُعِلَتْ لِبُيُوتِ الْكُفَّارِ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ مِنْ فِضَّةٍ. وَهِيَ دَرَجٌ. وَسُرُرٌ فِضَّةٌ. مُقْرِنِينَ: مُطِيقِينَ. آسَفُونَا: أَسْخَطُونَا. يَعِشُ: يَعْمَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ﴾ أَيْ تُكَذِّبُونَ بِالْقُرْآنِ ثُمَّ لَا تُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ؟ وَمَضَى مِثْلُ الْأَوَّلِينَ: سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ. مُقْرِنِينَ: يَعْنِي الْإِبِلَ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ. ﴿يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ﴾ الْجَوَارِي جَعَلْتُمُوهُنَّ لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا فَكَيْفَ تَحْكُمُونَ. ﴿لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ يَعْنُونَ الْأَوْثَانَ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾ الْأَوْثَانُ، إِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. فِي عَقِبِهِ: وَلَدَهُ. مُقْتَرِنِينَ: يَمْشُونَ مَعَا. سَلَفًا قَوْمُ فِرْعَوْنَ سَلَفًا لِكُفَّارِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ. وَمَثَلًا: عِبْرَةً. يَصُدُّونَ: يَضِجُّونَ. مُبْرِمُونَ: مُجْمِعُونَ. أَوَّلُ الْعَابِدِينَ: أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ. ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ الْعَرَبُ تَقُولُ: نَحْنُ مِنْكَ الْبَرَاءُ وَالْخَلَاءُ، والْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ بَرِيئَانِ وَفِي الْجَمِيعِ بَرِيئُونَ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّنِي بَرِيءٌ بِالْيَاءِ. وَالزُّخْرُفُ: الذَّهَبُ. مَلَائِكَةً يَخْلُفُونَ: يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.
قَوْلُهُ: (سُورَةُ حم الزُّخْرُفِ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
قَوْلُهُ: ﴿عَلَى أُمَّةٍ﴾ عَلَى إِمَامٍ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute