للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَأْتِ بِصِيغَةٍ لَا صَرِيحَةٍ وَلَا كِنَايَةٍ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ كَتَبَ الطَّلَاقَ طَلُقَتِ امْرَأَتُهُ لِأَنَّهُ عَزَمَ بِقَلْبِهِ وَعَمَلَ بِكِتَابَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَشَرْطُ مَالِكٍ فِيهِ الْإِشْهَادُ عَلَى ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: إِذَا طَلَّقَ في نَفْسه طَلُقَتْ - وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَالزُّهْرِيِّ - وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا أَشْهَبُ عَنْهُ وَقَوَّاهَا ابْنُ الْعَرَبِيِّ، بِأَنَّ مَنِ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِقَلْبِهِ كَفَرَ وَمَنْ أَصَرَّ

عَلَى الْمَعْصِيَةِ أَثِمَ وَكَذَلِكَ مَنْ رَاءَى بِعَمَلِهِ وَأُعْجِبَ، وَكَذَا مَنْ قَذَفَ مُسْلِمًا بِقَلْبِهِ، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ دُونَ اللِّسَانِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ مِنْ فَضَائِلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالْمُصِرُّ عَلَى الْكُفْرِ لَيْسَ مِنْهُمْ، وَبِأَنَّ الْمُصِرَّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ الْآثِمَ مَنْ تَقَدَّمَ لَهُ عَمَلُ الْمَعْصِيَةِ لَا مَنْ لَمْ يَعْمَلْ مَعْصِيَةً قَطُّ، وَأَمَّا الرِّيَاءُ وَالْعُجْبُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَكُلُّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَعْمَالِ. وَاحْتَجَّ الْخَطَّابِيُّ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى الظِّهَارِ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا قَالَ: وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ، وَكَذَا لَوْ حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالْقَذْفِ لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا، وَلَوْ كَانَ حَدِيثُ النَّفْسِ يُؤَثِّرُ لَأَبْطَلَ الصَّلَاةَ، وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْحَدِيثِ مَنْدُوبٌ فَلَوْ وَقَعَ لَمْ تَبْطُلْ، وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ فِي قَوْلِ عُمَرَ إِنِّي لَأُجَهِّزُ جَيْشِي وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ الَّذِي أَقَرَّ بِالزِّنَا فَرُجِمَ، ذَكَرَهَا مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ، وَيَأْتِي شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْحُدُودِ.

وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي التَّرْجَمَةِ مِنْ قَوْلِهِ هَلْ بِكَ جُنُونٌ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَجْنُونًا لَمْ يُعْمَلْ بِإِقْرَارِهِ، وَمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ هَلْ كَانَ بِكَ جُنُونٌ أَوْ هَلْ تُجَنُّ تَارَةً وَتُفِيقُ تَارَةً؟ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ حِينَ الْمُخَاطَبَةِ مُفِيقًا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَجَّهَ لَهُ الْخِطَابَ وَالْمُرَادُ اسْتِفْهَامُ مَنْ حَضَرَ مِمَّنْ يَعْرِفُ حَالَهُ، وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ، أَوْرَدَهَا مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَيَأْتِي شَرْحُهَا أَيْضًا فِي الْحُدُودِ، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْآخِرَ قَدْ زَنَى بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ الْمُتَأَخِّرَ عَنِ السَّعَادَةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْأَرْذَلُ.

قَوْلُهُ (وَقَالَ قَتَادَةُ إِذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ) وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ قَالَا: مَنْ طَلَّقَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ فَلَيْسَ طَلَاقُهُ ذَلِكَ بِشَيْءٍ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَهُمُ ابْنُ سِيرِينَ، وَابْنُ شِهَابٍ فَقَالَا تَطْلُقُ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ.

تَنْبِيهٌ:

وَقَعَ هَذَا الْأَثَرُ عَنْ قَتَادَةَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ عَقِبَ حَدِيثِ قَتَادَةَ الْمَرْفُوعِ الْمَذْكُورِ هُنَا بَعْدُ، فَلَمَّا سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ قَالَ بَعْدَهُ قَالَ قَتَادَةُ فَذَكَرَهُ.

ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ. الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ:

قَوْلُهُ (وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ فَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَخْ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبْهَمَهُ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ شُعَيْبًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَدْرُ عِنْدَهُ عَنْ غَيْرِ أَبِي سَلَمَةَ فَأُدْرِجَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَذْلَقَتْهُ بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَقَافٍ أَيْ أَصَابَتْهُ بِحَدِّهَا، وَقَوْلُهُ (جَمَزَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمِيمِ وَبِزَايٍ أَيْ أَسْرَعَ هَارِبًا.

١٢ - بَاب الْخُلْعِ، وَكَيْفَ الطَّلَاقُ فِيهِ؟ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿الظَّالِمُونَ﴾ وَأَجَازَ عُمَرُ الْخُلْعَ دُونَ السُّلْطَانِ. وَأَجَازَ عُثْمَانُ الْخُلْعَ دُونَ عِقَاصِ رَأْسِهَا. وَقَالَ طَاوُسٌ: ﴿إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ فِيمَا افْتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْعِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ، وَلَمْ يَقُلْ قَوْلَ السُّفَهَاءِ لَا يَحِلُّ حَتَّى تَقُولَ: لَا أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ