تَزُولَ هَيْئَتُهَا وَيُنْتَفَعَ بِرُضَاضِهَا.
ثَالِثُهَا: حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي هَتْكِ السِّتْرِ الَّذِي فِيهِ التَّمَاثِيلُ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي اللِّبَاسِ، وَنَذْكُرُ فِيهِ وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهَا هُنَا: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَتَّكِئُ عَلَيْهَا وَبَيْنَ قَوْلِهَا فِي الطَّرِيقِ الْأُخْرَى: مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ؟ قُلْتُ: اشْتَرَيْتُهَا لِتَوَسُّدِهَا. قَالَ: إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّورَةُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ. وَالسَّهْوَةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ صُفَّةٌ، وَقِيلَ: خِزَانَةٌ وَقِيلَ: رَفٌّ، وَقِيلَ: طَاقٌ يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ. قَالَ ابْنُ التِّينِ: قَوْلُهَا فَهَتَكَهُ؛ أَيْ شَقَّهُ، كَذَا قَالَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ نَزَعَهُ، ثُمَّ هِيَ بَعْدَ ذَلِكَ قَطَعَتْهُ كَمَا سَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
٣٣ - بَاب مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ
٢٤٨٠ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ - هُوَ ابْنُ أَبِي أَيُّوبَ - قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ﵄ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ قَاتَلَ دُونَ مَالِهِ)؛ أَيْ: مَا حُكْمُهُ؟ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: دُونَ فِي أَصْلِهَا ظَرْفُ مَكَانٍ بِمَعْنَى تَحْتٍ، وَتُسْتَعْمَلُ لِلسَّبَبِيَّةِ عَلَى الْمَجَازِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الَّذِي يُقَاتِلُ عَنْ مَالِهِ غَالِبًا إِنَّمَا يَجْعَلُهُ خَلْفَهُ أَوْ تَحْتَهُ ثُمَّ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ) هُوَ الْمُقْرِئُ، وَأَبُو الْأَسْوَدِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْأَسَدِيُّ، وَوَقَعَ مَنْسُوبًا هَكَذَا عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عِكْرِمَةَ) فِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ: أَنَّ عِكْرِمَةَ أَخْبَرَهُ، وَلَيْسَ لِعِكْرِمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - وَهُوَ ابْنُ الْعَاصِ - فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ.
قَوْلُهُ: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. وَكَأَنَّهُ كَتَبَهُ مِنْ حِفْظِهِ أَوْ حَدَّثَ بِهِ الْمُقْرِئُ مِنْ حِفْظِهِ فَجَاءَ بِهِ عَلَى اللَّفْظِ الْمَشْهُورِ، وَإِلَّا فَقَدْ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ عَنِ الْمُقْرِئِ بِلَفْظِ: مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ مَظْلُومًا فَلَهُ الْجَنَّةُ، قَالَ: وَمَنْ أَتَى بِهِ عَلَى غَيْرِ اللَّفْظِ الَّذِي اعْتِيدَ فَهُوَ أَوْلَى بِالْحِفْظِ، وَلَا سِيَّمَا وَفِيهِمْ مِثْلُ دُحَيْمٍ، وَكَذَلِكَ مَا زَادُوهُ مِنْ قَوْلِهِ: مَظْلُومًا؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ. وَسَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ دُحَيْمٍ، وَابْنِ أَبِي عُمَرَ، وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَلَّامٍ، قُلْتُ: وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْمُقْرِئِ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ بِهَذَا اللَّفْظِ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ.
نَعَمْ؛ لِلْحَدِيثِ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ عِكْرِمَةَ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ بِاللَّفْظِ الْمَشْهُورِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ كَذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَفِي رِوَايَتِهِ قِصَّةٌ قَالَ: لَمَّا كَانَ بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَبَيْنَ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ مَا كَانَ - يُشِيرُ لِلْقِتَالِ - فَرَكِبَ خَالِدُ بْنُ الْعَاصِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَوَعَظَهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: أَمَا عَلِمْتَ. . . فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: مَا كَانَ إِلَى مَا بَيَّنَهُ حَيْوَةُ فِي رِوَايَتِهِ الْمُشَارُ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّ أَوَّلَهَا: إنَّ عَامِلًا لِمُعَاوِيَةَ أَجْرَى عَيْنًا مِنْ مَاءٍ لِيَسْقِيَ بِهَا أَرْضًا، فَدَنَا مِنْ حَائِطٍ لِآلِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَهُ لِيُجْرِيَ الْعَيْنَ مِنْهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَمَوَالِيهِ بِالسِّلَاحِ وَقَالُوا: وَاللَّهِ لَا تَخْرِقُونَ حَائِطَنَا حَتَّى لَا يَبْقَى مِنَّا أَحَدٌ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَالْعَامِلُ الْمَذْكُورُ هُوَ عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ كَمَا ظَهَرَ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَكَانَ عَامِلًا لِأَخِيهِ عَلَى مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، وَالْأَرْضُ الْمَذْكُورَةُ كَانَتْ بِالطَّائِفِ، وَامْتِنَاعُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ ذَلِكَ لِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنَ الضَّرَرِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ عَارَضَ بِهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَضَعَ جِذْعَهُ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ، وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ كُلُّهُمْ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِاللَّفْظِ الْمَشْهُورِ. وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute