للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بَرْزَةَ لَمْ يَقْطَعْ صَلَاتَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ مَرْزُوقٍ: فَأَخَذَهَا، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى. فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَطَعَهَا مَا بَالَى أَنْ يَرْجِعَ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ، وَفِي رُجُوعِهِ الْقَهْقَرَى مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ مَشْيَهُ إِلَى قَصْدِهَا مَا كَانَ كَثِيرًا، وَهُوَ مُطَابِقٌ لِثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ أَنَّهُ تَأَخَّرَ فِي صَلَاتِهِ وَتَقَدَّمَ وَلَمْ يَقْطَعْهَا، فَهُوَ عَمَلٌ يَسِيرٌ، وَمَشْيٌ قَلِيلٌ، فَلَيْسَ فِيهِ اسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ فَلَا يَضُرُّ. وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ سُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ رَجُلٍ صَلَّى، فَأَشْفَقَ أَنْ تَذْهَبَ دَابَّتُهُ، قَالَ: يَنْصَرِفُ. قِيلَ لَهُ أَفَيُتِمُّ؟ قَالَ: إِذَا وَلَّى ظَهْرَهُ الْقِبْلَةَ اسْتَأْنَفَ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَشْيَ الْكَثِيرَ فِي الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ يُبْطِلُهَا، فَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ عَلَى الْقَلِيلِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَتِ الْعَصْرَ.

قَوْلُهُ: (وَإِنِّي إِنْ كُنْتُ أَنْ أَرْجِعَ مَعَ دَابَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَدَعَهَا). قَالَ السُّهَيْلِيُّ: إِنِّي وَمَا بَعْدَهَا: اسْمُ مُبْتَدَأٍ، وَأَنْ أَرْجِعَ: اسْمُ مُبْدَلٍ مِنَ الِاسْمِ الْأَوَّلِ، وَأَحَبُّ: خَبَرٌ عَنِ الثَّانِي، وَخَبَرُ كَانَ مَحْذُوفٌ، أَيْ: إِنِّي إِنْ كُنْتُ رَاجِعًا أَحَبُّ إِلَيَّ. وَقَالَ غَيْرُهُ: أَنْ كُنْتُ؛ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَحُذِفَتِ اللَّامُ، وَهِيَ مَعَ كُنْتُ بِتَقْدِيرِ كَوْنِي، وَفِي مَوْضِعِ الْبَدَلِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي: إِنِّي، وَأَنَّ الثَّانِيَةَ بِالْفَتْحِ أَيْضًا مَصْدَرِيَّةٌ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ: فَقَالَ: إِنَّ مَنْزِلِي مُتَرَاخٍ - أَيْ مُتَبَاعِدٌ - فَلَوْ صَلَّيْتُ وَتَرَكْتُهُ - أَيِ الْفَرَسَ - لَمْ آتِ أَهْلِي إِلَى اللَّيْلِ؛ أَيْ لِبُعْدِ الْمَكَانِ.

قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَيُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكُسُوفِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ عُقِيلٍ وَغَيْرِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ مُسْتَوْفًى. وَقَوْلُهُ فَلَمَّا قَضَى؛ أَيْ فَرَغَ، وَلَمْ يُرِدِ الْقَضَاءَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْأَدَاءِ.

قَوْلُهُ: (لَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُهُ). فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: وُعِدْتُمْ. وَلَهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عُرِضَ عَلَيَّ كُلُّ شَيْءٍ تُولِجُونَهُ.

قَوْلُهُ: (لَقَدْ رَأَيْتُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِلْحَمَوِيِّ، وَالْمُسْتَمْلِي لَقَدْ رَأَيْتُهُ وَلِمُسْلِمٍ: حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَهُوَ أَوْجَهُ.

قَوْلُهُ: (أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطَفًا) فِي حَدِيثِ جَابِرٍ: حَتَّى تَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطَفًا فَقَصُرَتْ يَدِي عَنْهُ. وَالْقِطَفُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ أَنَّ كَثِيرًا يَرْوُونَهُ بِالْفَتْحِ، وَالْكَسْرُ هُوَ الصَّوَابُ.

قَوْلُهُ: (قِطَفًا مِنَ الْجَنَّةِ) يَعْنِي: عُنْقُودَ عِنَبٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكُسُوفِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

قَوْلُهُ: (حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: قَالَ فِي جَهَنَّمَ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ، لِأَنَّ التَّقَدُّمَ كَادَ أَنْ يَقَعَ بِخِلَافِ التَّأَخُّرِ، فَإِنَّهُ قَدْ وَقَعَ، كَذَا قَالَ. وَقَدْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِوُقُوعِ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ جَمِيعًا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَلَفْظُهُ: لَقَدْ جِيءَ بِالنَّارِ، وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَنِي مِنْ لَفْحِهَا. وَفِيهِ: ثُمَّ جِيءَ بِالْجَنَّةِ، وَذَلِكُمْ حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَقَدَّمْتُ حَتَّى قُمْتُ فِي مَقَامِي. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَبْوَابِ الْكُسُوفِ.

قَوْلُهُ: (وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ) بِاللَّامِ وَالْمُهْمَلَةِ مُصَغَّر، وَسَيَأْتِي شَرْحُ حَالِهِ فِي أَخْبَارِ الْجَاهِلِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ) جَمْعُ سَائِبَةٍ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَشْيَ الْقَلِيلَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ، وَكَذَا الْعَمَلُ الْيَسِيرُ، وَأَنَّ النَّارَ وَالْجَنَّةَ مَخْلُوقَتَانِ مَوْجُودَتَانِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ فَوَائِدِهِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ مُسْتَقْصَاةً فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ.

وَوَجْهُ تَعَلُّقِ الْحَدِيثِ بِالتَّرْجَمَةِ ظَاهِرٌ مِنْ جِهَةِ جَوَازِ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ الْيَسِيرِ، لِأَنَّ الَّذِي تَنْفَلِتُ دَابَّتُهُ يَحْتَاجُ فِي حَالِ إِمْسَاكِهَا إِلَى التَّقَدُّمِ أَوِ التَّأَخُّرِ كَمَا وَقَعَ لِأَبِي بَرْزَةَ، وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى ذَلِكَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ. وَأَغْرَبَ الْكِرْمَانِيُّ، فَقَالَ: وَجْهُ تَعَلُّقِهِ بِهَا أَنَّ فِيهِ مَذَمَّةَ تَسْيِيبِ الدَّوَابِّ مُطْلَقًا سَوَاءً كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا.

١٢ - بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ الْبُصَاقِ وَالنَّفْخِ فِي الصَّلَاةِ

وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: نَفَخَ النَّبِيُّ فِي سُجُودِهِ فِي كُسُوفٍ