الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ قَالَ: ذَاكَ حِينَ يُبْعَثُ مِنْ قَبْرِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: تِلْكَ عَلَامَةُ أَهْلِ الرِّبَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُبْعَثُونَ وَبِهِمْ خَبَلٌ. وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا، لَكِنَّ آكِلَ الرِّبَا يَرْبُو الرِّبَا فِي بَطْنِهِ فَيُرِيدُ الْإِسْرَاعَ فَيَسْقُطُ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَخَبِّطِ مِنَ الْجُنُونِ. وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ أَنَّهُمْ لَمَّا قِيلَ لَهُمْ: هَذَا رِبًا لَا يَحِلُّ.
قَالُوا: لَا فَرْقَ إِنْ زِدْنَا الثَّمَنَ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ أَوْ عِنْدَ مَحَلِّهِ، فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ - تَعَالَى -.
قَالَ الطَّبَرِيُّ: إِنَّمَا خُصَّ الْآكِلُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمُ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ كَانَتْ طُعْمَتُهُمْ مِنَ الرِّبَا، وَإِلَّا فَالْوَعِيدُ حَاصِلٌ لِكُلِّ مَنْ عَمِلَ بِهِ سَوَاءٌ أَكَلَ مِنْهُ أَمْ لَا. ثُمَّ سَاقَ الْبُخَارِيُّ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْنِ: أَحَدُهُمَا حَدِيثُ عَائِشَةَ: لِمَا نَزَلَتْ آخِرُ الْبَقَرَةِ قَرَأَهُنَّ النَّبِيُّ ﷺ ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى تَحْرِيمِ التِّجَارَةِ فِي الْخَمْرِ فِي أَوَاخِرِ الْبُيُوعِ.
ثَانِيهُمَا حَدِيثُ سَمُرَةَ فِي الْمَنَامِ الطَّوِيلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِطُولِهِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ، وَاقْتَصَرَ مِنْهُ هُنَا عَلَى قِصَّةِ آكِلِ الرِّبَا.
وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: لَيْسَ فِي حَدِيثَيِ الْبَابِ ذِكْرٌ لِكَاتِبِ الرِّبَا وَشَاهِدِهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْإِلْحَاقِ لِإِعَانَتِهِمَا لِلْآكِلِ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى مَنْ وَاطَأَ صَاحِبَ الرِّبَا عَلَيْهِ فَأَمَّا مَنْ كَتَبَهُ أَوْ شَهِدَ الْقِصَّةَ لِيَشْهَدَ بِهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ لِيَعْمَلَ فِيهَا بِالْحَقِّ فَهَذَا جَمِيلُ الْقَصْدِ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أَعَانَ صَاحِبَ الرِّبَا بِكِتَابَتِهِ وَشَهَادَتِهِ فَيُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ مَنْ قَالَ: ﴿إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ وَأَيْضًا فَقَدْ تَضَمَّنَ حَدِيثُ عَائِشَةَ نُزُولَ آخِرِ الْبَقَرَةِ، وَمِنْ جُمْلَةِ مَا فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ وَفِيهِ: ﴿إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ وَفِيهِ: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ فَأَمَرَ بِالْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ فِي الْبَيْعِ الَّذِي أَحَلَّهُ، فَأَفْهَمَ النَّهْيَ عَنْ الْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ فِي الرِّبَا الَّذِي حَرَّمَهُ، وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي الْكَاتِبِ وَالشَّاهِدِ صَرِيحًا، فَعِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ: هُمْ فِي الْإِثْمِ سَوَاءٌ وَلِأَصْحَابِ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ: لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَشَاهِدَهُ وَكَاتِبَهُ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ بِالتَّثْنِيَةِ، وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: آكِلُ الرِّبَا وَمُوكِلُهُ وَشَاهِدَاهُ وَكَاتِبُهُ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
٢٥ - بَاب مُوكِلِ الرِّبَا، لِقَوْلِ اللَّهِ ﷿ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ إلى قوله ﴿وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ.
٢٠٨٦ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى عَبْدًا حَجَّامًا، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَثَمَنِ الدَّمِ، وَنَهَى عَنْ الْوَاشِمَةِ وَالْمَوْشُومَةِ، وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ.
[الحديث ٢٠٨٦ - أطرافه فك: ٢٢٣٨، ٥٣٤٧، ٥٩٤٥، ٥٩٦١]
قَوْلُهُ: (بَابُ مُوَكِّلُ الرِّبَا) أَيْ: مُطْعِمُهُ وَالتَّقْدِيرُ فِيهِ كَالَّذِي قَبْلَهُ.
قَوْلُهُ: (لِقَوْلِ اللَّهِ ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا