وَقَدْ سَمِعَ الزُّهْرِيُّ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَحَدَّثَ يُونُسُ عَنْهُ بِالْحَدِيثَيْنِ مُفَصَّلًا، وَأَرَادَ الْبُخَارِيُّ بِذَلِكَ دَفْعَ الْوَهْمِ وَاللَّبْسِ عَمَّنْ يَظُنُّ فِيهِ اخْتِلَافًا، وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَسْطٍ لِذَلِكَ فِي الْمَغَازِي، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
١٠٤ - بَاب الْخُرُوجِ بَعْدَ الظُّهْرِ
٢٩٥١ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أَرْبَعًا، وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، وَسَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا.
قَوْلُهُ: (بَابُ الْخُرُوجِ بَعْدَ الظُّهْرِ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ، وَكَأَنَّهُ أَوْرَدَهُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ قَوْلَهُ ﷺ: بُورِكَ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْبُكُورِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْبُكُورَ بِالْبَرَكَةِ لِكَوْنِهِ وَقْتَ النَّشَاطِ، وَحَدِيثُ: بُورِكَ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ، بَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ، وَقَدِ اعْتَنَى بَعْضُ الْحُفَّاظِ بِجَمْعِ طُرُقِهِ فَبَلَغَ عَدَدُ مَنْ جَاءَ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ نَحْوَ الْعِشْرِينَ نَفْسًا.
١٠٥ - بَاب الْخُرُوجِ آخِرَ الشَّهْرِ، وَقَالَ كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄: انْطَلَقَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ الْمَدِينَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَقَدِمَ مَكَّةَ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ.
٢٩٥٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ ﵂ تَقُولُ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ، وَلَا نُرَى إِلَّا الْحَجَّ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ - إِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ - أَنْ يَحِلَّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدُخِلَ عَلَيْنَا يَوْمَ النَّحْرِ بِلَحْمِ بَقَرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَزْوَاجِهِ. قَالَ يَحْيَى: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِلقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَقَالَ: أَتَتْكَ وَاللَّهِ بِالْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الْخُرُوجِ آخِرَ الشَّهْرِ) أَيْ رَدًّا عَلَى مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ الطِّيَرَةِ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ أَوَائِلَ الشُّهُورِ لِلْأَعْمَالِ، وَيَكْرَهُونَ التَّصَرُّفَ فِي مُحَاقِ الْقَمَرِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ كُرَيْبٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄: انْطَلَقَ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الْمَدِينَةِ لِخَمْسٍ بَقِينَ) هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَجِّ.
ثُمَّ أَوْرَدَ حَدِيثَ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الْفَصِيحِ فِي التَّارِيخِ؛ وَهُوَ مَا دَامَ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ يُؤَرَّخُ بِمَا خَلَا، وَإِذَا دَخَلَ النِّصْفُ الثَّانِي يُؤَرَّخُ بِمَا بَقِيَ، وَقَدِ اسْتَشْكَلَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ: أَنَّهُ خَرَجَ لِخَمْسٍ بَقِينَ، لِأَنَّ ذَا الْحِجَّةِ كَانَ أَوَّلُهُ الْخَمِيسَ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْوَقْفَةَ كَانَتِ الْجُمُعَةَ، فَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ لِقَوْلِ أَنَسٍ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ: أَنَّهُ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا ثُمَّ خَرَجَ. وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْخُرُوجَ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَإِنَّمَا قَالَ الصَّحَابَةُ: لِخَمْسٍ بَقِينَ بِنَاءً عَلَى الْعَدَدِ، لِأَنَّ ذَا الْقَعْدَةِ كَانَ أَوَّلُهُ الْأَرْبِعَاءَ فَاتَّفَقَ أَنْ جَاءَ نَاقِصًا، فَجَاءَ أَوَّلُ ذِي الْحِجَّةِ الْخَمِيسُ، فَظَهَرَ أَنَّ الَّذِي كَانَ بَقِيَ مِنَ الشَّهْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute