للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التَّشْمِيتِ وَهُوَ تَوَقُّفُهُ عَلَى حَمْدِ الْعَاطِسِ. وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ مَكْحُولٍ الْأَزْدِيِّ: كُنْتُ إِلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ، فَعَطَسَ رَجُلٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ إِنْ كُنْتَ حَمِدْتَ اللَّهَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّشْمِيتَ إِنَّمَا يُشْرَعُ لِمَنْ سَمِعَ الْعَاطِسَ وَسَمِعَ حَمْدَهُ، فَلَوْ سَمِعَ مَنْ يُشَمِّتُ غَيْرَهُ وَلَمْ يَسْمَعْ هُوَ عُطَاسَهُ وَلَا حَمْدَهُ هَلْ يُشْرَعُ لَهُ تَشْمِيتَهُ؟ سَيَأْتِي قَرِيبًا.

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ) سَيَأْتِي شَرْحُهُ بَعْدَ بَابَيْنِ.

١٢٦ - بَاب إِذَا عَطَسَ كَيْفَ يُشَمَّتُ؟

٦٢٢٤ - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ - أَوْ صَاحِبُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ. فَإِذَا قَالَ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ.

قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا عَطَسَ كَيْفَ يُشَمَّتُ؟) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) هُوَ السَّمَّانُ، وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ إِلَّا شَيْخَ الْبُخَارِيِّ، وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ تَابِعِيٍّ عَنْ تَابِعِيٍّ.

قَوْلُهُ: (إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ) كَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ النِّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ حَسَّانَ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، وَأَبِي النَّضْرِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ، وَفِي عَمَلِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ؛ كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَذْكُورِ بِهِ بِلَفْظِ: فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ. قُلْتُ: وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِحُكْمِهَا. وَاسْتُدِلَّ بِأَمْرِ الْعَاطِسِ بِحَمْدِ اللَّهِ أَنَّهُ يُشْرَعُ حَتَّى لِلْمُصَلِّي، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ فِي بَابِ الْحَمْدِ لِلْعَاطِسِ وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْأَئِمَّةِ بَعْدَهُمْ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ أَنَّ ذَلِكَ يُشْرَعُ فِي النَّافِلَةِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ، وَيَحْمَدُ مَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ. وَجَوَّزَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يُسِرُّ بِهِ وَلَا يَجْهَرُ بِهِ، وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ مَعَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ فَإِنَّهُ جَهَرَ بِذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ.

نَعَمْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَجْلِ اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ فِي قِرَاءَتِهَا، وَجَزَمَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الْعَاطِسَ فِي الصَّلَاةِ يَحْمَدُ فِي نَفْسِهِ، وَنَقَلَ عَنْ سَحْنُونٍ أَنَّهُ لَا يَحْمَدُ حَتَّى يَفْرُغَ وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ غُلُوٌّ.

قَوْلُهُ: (وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ - أَوْ صَاحِبُهُ) هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَكَذَا وَقَعَ لِلْأَكْثَرِ مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ: فَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ وَلَمْ يَشُكَّ، وَالْمُرَادُ بِالْأُخُوَّةِ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ.

قَوْلُهُ: (يَرْحَمُكَ اللَّهُ) قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دُعَاءً بِالرَّحْمَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا عَلَى طَرِيقِ الْبِشَارَةِ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ؛ أَيْ: هِيَ طُهْرٌ لَكَ، فَكَأَنَّ الْمُشَمِّتَ بَشَّرَ الْعَاطِسَ بِحُصُولِ الرَّحْمَةِ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِسَبَبِ حُصُولِهَا لَهُ فِي الْحَالِ لِكَوْنِهَا دَفَعَتْ مَا يَضُرُّهُ، قَالَ: وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى قَاعِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا أُرِيدَ بِهِ مَعْنَاهُ لَمْ يَنْصَرِفْ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ مَعْنًى يَحْتَمِلُهُ انْصَرَفَ إِلَيْهِ، وَإِنْ أُطْلِقَ انْصَرَفَ إِلَى الْغَالِبِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرِ الْقَائِلُ الْمَعْنَى الْغَالِبَ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: ذَهَبَ إِلَى هَذَا قَوْمٌ فَقَالُوا: يَقُولُ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ؛ يَخُصُّهُ بِالدُّعَاءِ وَحْدَهُ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَطَسَ،