للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

آثَرَتْ حَيَاتَهُ، فَظَهَرَ لَهُ مِنْ قَرِينَةِ شَفَقَةِ الصُّغْرَى وَعَدَمِهَا فِي الْكُبْرَى - مَعَ مَا انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ مِنَ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهَا - مَا هَجَمَ بِهِ عَلَى الْحُكْمِ لِلصُّغْرَى. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُلَيْمَانُ مِمَّنْ يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ، أَوْ تَكُونَ الْكُبْرَى فِي تِلْكَ الْحَالَةِ اعْتَرَفَتْ بِالْحَقِّ لَمَّا رَأَتْ مِنْ سُلَيْمَانَ الْجِدَّ وَالْعَزْمَ فِي ذَلِكَ.

وَنَظِيرُ هَذِهِ الْقِصَّةِ مَا لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ عَلَى مُدَّعٍ مُنْكِرٍ بِيَمِينٍ، فَلَمَّا مَضَى لِيُحَلِّفَهُ مَنِ اسْتَخْرَجَ مِنَ الْمُنْكِرِ مَا اقْتَضَى إِقْرَارَهُ بِمَا أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى جَحْدِهِ، فَإِنَّهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْيَمِينِ أَوْ بَعْدَهَا، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ نَقْضِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَلَكِنْ مِنْ بَابِ تَبَدُّلِ الْأَحْكَامِ بِتَبَدُّلِ الْأَسْبَابِ. وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: اسْتَنْبَطَ سُلَيْمَانُ لَمَّا رَأَى الْأَمْرَ مُحْتَمَلًا فَأَجَادَ، وَكِلَاهُمَا حَكَمَ بِالِاجْتِهَادِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَاوُدُ حَكَمَ بِالنَّصِّ لَمَا سَاغَ لِسُلَيْمَانَ أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِهِ. وَدَلَّتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ عَلَى أَنَّ الْفِطْنَةَ وَالْفَهْمَ مَوْهِبَةٌ مِنَ اللَّهِ لَا تَتَعَلَّقُ بِكِبَرِ سِنٍّ وَلَا صِغَرِهِ. وَفِيهِ أَنَّ الْحَقَّ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَسُوغُ لَهُمُ الْحُكْمُ بِالِاجْتِهَادِ وَإِنْ كَانَ وُجُودُ النَّصِّ مُمْكِنًا لَدَيْهِمْ بِالْوَحْيِ، لَكِنَّ فِي ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي أُجُورِهِمْ، وَلِعِصْمَتِهِمْ مِنَ الْخَطَإِ فِي ذَلِكَ إِذْ لَا يُقِرُّونَ لِعِصْمَتِهِمْ عَلَى الْبَاطِلِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: إِنَّ سُلَيْمَانَ فَعَلَ ذَلِكَ تَحَيُّلًا عَلَى إِظْهَارِ الْحَقِّ، فَكَانَ كَمَا لَوِ اعْتَرَفَ الْمَحْكُومُ لَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ أَنَّ الْحَقَّ لِخَصْمِهِ. وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ الْحِيَلِ فِي الْأَحْكَامِ لِاسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إِلَّا بِمَزِيدِ الْفِطْنَةِ وَمُمَارَسَةِ الْأَحْوَالِ.

قَوْلُهُ: (لَا تَفْعَلْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ وَرْقَاءَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ لَا، يَرْحَمُكَ اللَّهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَنْبَغِي عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَقِفَ قَلِيلًا بَعْدَ لَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لِلسَّامِعِ أَنَّ الَّذِي بَعْدَهُ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ ; لِأَنَّهُ إِذَا وَصَلَهُ بِمَا بَعْدَهُ يَتَوَهَّمُ السَّامِعُ أَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ لَهُ، وَيَزُولُ الْإِيهَامُ فِي مِثْلِ هَذَا بِزِيَادَةِ وَاوٍ كَأَنْ يَقُولَ: لَا وَيَرْحَمُكَ اللَّهُ. وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ: إِنَّ الْأُمَّ تُسْتَحْلَفُ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَقَدْ تَعَرَّضَ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْفَرَائِضِ، وَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) يَعْنِي بِالْإِسْنَادِ إِلَيْهِ وَلَيْسَ تَعْلِيقًا، وَقَدْ وَقَعَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ وَرْقَاءَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، وَالْمُدْيَةُ مُثَلَّثَةٌ الْمِيمُ قِيلَ: لِلسِّكِّينِ، ذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ مَدَى حَيَاةِ الْحَيَوَانِ، وَالسِّكِّينُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ، قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا تُسَكِّنُ حَرَكَةَ الْحَيَوَانِ.

٤١ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَلا تُصَعِّرْ﴾ الْإِعْرَاضُ بِالْوَجْهِ.

٣٤٢٨ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ قَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ : أَيُّنَا لَمْ يَلْبِسْ إِيمَانَهُ بِظُلْمٍ؟ فَنَزَلَتْ: ﴿لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾