وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَنْقِيرٍ وَبَحْثٍ. قَالَ: وَمَحْمَلُ قَوْلِ عَطَاءٍ دَخَلَ قَلْبَ إِبْرَاهِيمَ بَعْضُ مَا يَدْخُلُ قُلُوبَ النَّاسِ أَيْ مِنْ طَلَبِ الْمُعَايَنَةِ. قَالَ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى نَفْيِ الشَّكِّ، وَالْمُرَادُ بِالشَّكِّ فِيهِ الْخَوَاطِرُ الَّتِي لَا تَثْبُتُ، وَأَمَّا الشَّكُّ الْمُصْطَلَحُ وَهُوَ التَّوَقُّفُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ مَزِيَّةٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ عَنِ الْخَلِيلِ قَطْعًا لِأَنَّهُ يَبْعُدُ وُقُوعُهُ مِمَّنْ رَسَخَ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ فَكَيْفَ بِمَنْ بَلَغَ رُتْبَةَ النُّبُوَّةِ. قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّ السُّؤَالَ لَمَّا وَقَعَ بِكَيْفَ دَلَّ عَلَى حَالِ شَيْءٍ مَوْجُودٍ مُقَرَّرٍ عِنْدَ السَّائِلِ وَالْمَسْئُولِ، كَمَا تَقُولُ: كَيْفَ عِلْمُ فُلَانٍ؟ فَكَيْفَ فِي الْآيَةِ سُؤَالٌ عَنْ هَيْئَةِ الْإِحْيَاءِ لَا عَنْ نَفْسِ الْإِحْيَاءِ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ مُقَرَّرٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: إِنَّمَا صَارَ أَحَقَّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ لِمَا عَانَى مِنْ تَكْذِيبِ قَوْمِهِ وَرَدِّهِمْ عَلَيْهِ وَتَعَجُّبِهِمْ مِنْ أَمْرِ الْبَعْثِ فَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ أَنْ أَسْأَلَ مَا سَأَلَ إِبْرَاهِيمُ لِعَظِيمِ مَا جَرَى لِي مَعَ قَوْمِي الْمُنْكِرِينَ لِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَلِمَعْرِفَتِي بِتَفْضِيلِ اللَّهِ لِي، وَلَكِنْ لَا أَسْأَلُ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ) الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيرِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ طَلَبُ الْكَيْفِيَّةِ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِالتَّصْدِيقِ بِالْإِحْيَاءِ.
قَوْلُهُ: (بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) أَيْ لِيَزِيدَ سُكُونًا بِالْمُشَاهَدَةِ الْمُنْضَمَّةِ إِلَى اعْتِقَادِ الْقَلْبِ، لِأَنَّ تَظَاهُرَ الْأَدِلَّةِ أَسْكَنُ لِلْقُلُوبِ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا مُصَدِّقٌ، وَلَكِنْ لِلْعِيَانِ لَطِيفُ مَعْنًى. وَقَالَ عِيَاضٌ: لَمْ يَشُكَّ إِبْرَاهِيمُ بِأَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْمَوْتَى، وَلَكِنْ أَرَادَ طُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ وَتَرْكَ الْمُنَازَعَةِ لِمُشَاهَدَةِ الْإِحْيَاءِ فَحَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ الْأَوَّلُ بِوُقُوعِهِ، وَأَرَادَ الْعِلْمَ الثَّانِيَ بِكَيْفِيَّتِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَأَلَ زِيَادَةَ الْيَقِينِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَوَّلِ شَكٌّ لِأَنَّ الْعُلُومَ قَدْ تَتَفَاوَتُ فِي قُوَّتِهَا فَأَرَادَ التَّرَقِّيَ مِنْ عِلْمِ الْيَقِينِ إِلَى عَيْنِ الْيَقِينِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا إِلَخْ) يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا فِي تَرْجَمَةِ لُوطٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفَ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ) أَيْ لَأَسْرَعْتُ الْإِجَابَةَ فِي الْخُرُوجِ مِنَ السِّجْنِ وَلَمَا قَدَّمْتُ طَلَبَ الْبَرَاءَةِ، فَوَصَفَهُ بِشِدَّةِ الصَّبْرِ حَيْثُ لَمْ يُبَادِرْ بِالْخُرُوجِ، وَإِنَّمَا قَالَهُ ﷺ تَوَاضُعًا، وَالتَّوَاضُعُ لَا يَحُطُّ مَرْتَبَةَ الْكَبِيرِ بَلْ يَزِيدُهُ رِفْعَةً وَجَلَالًا، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ: لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْجَمِيعِ، وَسَيَأْتِي تَكْمِلَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ.
١٢ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾
٣٣٧٣ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا حَاتِمٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ﵁ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ، قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا لَكُمْ لَا تَرْمُونَ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟ قَالَ: ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ﴾ تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الشَّهَادَاتِ سَبَبُ تَسْمِيَتِهِ صَادِقَ الْوَعْدِ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ التَّحْرِيضِ عَلَى الرَّمْيِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ، وَاحْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّ الْيَمَنَ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ الْمَنَاقِبِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (وَأَنَا مَعَ ابْنِ فُلَانٍ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلَانٍ وَكَذَا هُوَ فِي الْجِهَادِ، قِيلَ: وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَا مَعَ ابْنِ الْأَدْرَعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَسْمِيَةُ