مُجَاهِدٍ قَالَ: مِنَ الْقُنُوتِ الرُّكُوعُ، وَالْخُشُوعُ، وَطُولُ الْقِيَامِ، وَغَضُّ الْبَصَرِ، وَخَفْضُ الْجَنَاحِ، وَالرَّهْبَةُ لِلَّهِ. وَأَصَحُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ - وَهُوَ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُنُوتِ فِي الْآيَةِ السُّكُوتُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَبْوَابِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَوَاخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ السُّكُوتُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ لَا مُطْلَقُ الصَّمْتِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا صَمْتَ فِيهَا بَلْ جَمِيعُهَا قُرْآنٌ وَذِكْرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٤٤ - بَاب: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: ﴿كُرْسِيُّهُ﴾ عِلْمُهُ، يُقَالُ: ﴿بَسْطَةً﴾ زِيَادَةً وَفَضْلًا، ﴿أَفْرِغْ﴾ أَنْزِلْ، ﴿وَلا يَئُودُهُ﴾ لَا يُثْقِلُهُ، آدَنِي أَثْقَلَنِي، وَالْآدُ وَالْأَيْدُ الْقُوَّةُ، السِّنَةُ النُعَاسٌ، ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ لم يَتَغَيَّرْ، ﴿فَبُهِتَ﴾ ذَهَبَتْ حُجَّتُهُ، ﴿خَاوِيَةٌ﴾ لَا أَنِيسَ فِيهَا، عُرُوشُهَا أَبْنِيَتُهَا، ﴿نُنْشِزُهَا﴾ نُخْرِجُهَا، ﴿إِعْصَارٌ﴾ رِيحٌ عَاصِفٌ تَهُبُّ مِنْ الْأَرْضِ إِلَى السَّمَاءِ كَعَمُودٍ فِيهِ نَارٌ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿صَلْدًا﴾ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: ﴿وَابِلٌ﴾ مَطَرٌ شَدِيدٌ، الطَّلُّ النَّدَى، وَهَذَا مَثَلُ عَمَلِ الْمُؤْمِنِ، ﴿يَتَسَنَّهْ﴾ يَتَغَيَّرْ.
٤٥٣٥ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أخبرنا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ﵄ كَانَ إِذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ: يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ، فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَتَكُونُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْعَدُوِّ لَمْ يُصَلُّوا، فَإِذَا صَلَّى الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً اسْتَأْخَرُوا مَكَانَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا وَلَا يُسَلِّمُونَ، وَيَتَقَدَّمُ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ وَقَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَيَقُومُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً بَعْدَ أَنْ يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدَّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا.
قَالَ مَالِكٌ قَالَ نَافِعٌ: لَا أدري عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ﴾ الْآيَةَ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ مَبْسُوطًا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: كُرْسِيِّهِ عِلْمِهِ) وَصَلَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَزَادَ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَهُوَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَرْفُوعًا، وَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي فَوَائِدِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ الْحَرْبِيِّ مَرْفُوعًا وَالْمَوْقُوفُ أَشْبَهَ، وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: إِنَّ رَفْعَهُ خَطَأٌ، ثُمَّ هَذَا التَّفْسِيرُ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْكُرْسِيَّ مَوْضُوعُ الْقَدَمَيْنِ. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مُوسَى مِثْلِهِ، وَأَخْرَجَا عَنِ السُّدِّيِّ أَنَّ الْكُرْسِيَّ بَيْنَ يَدَيِ الْعَرْشِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مُغَايِرًا لِمَا قَبْلَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: يُقَالُ: (بَسْطَةُ زِيَادَةٍ وَفَضْلًا) هَكَذَا ثَبَتَ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ، وَهُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ أَيْ زِيَادَةً وَفَضْلًا وَكَثْرَةً، وَجَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute