مُبَالَغَةً فِي حِفْظِهَا لَهُمْ. وَفِي قَوْلِ ابْنِ بَطَّالٍ الْمُتَقَدِّمِ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيَطِيبَ لَهُ رِبْحُ ذَلِكَ الْمَالِ نَظَرًا لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ أَنَّهُ كَانَ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالتِّجَارَةِ وَأَنَّ كَثْرَةَ مَالِهِ إِنَّمَا زَادَتْ بِالتِّجَارَةِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ خِلَافُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ الَّذِي خَلَّفَهُ حَالَ مَوْتِهِ يَفِي بِالدَّيْنِ وَيَزِيدُ عَلَيْهِ، وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ كَانَ دُونَ الدُّيُونِ بِكَثِيرٍ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَارَكَ فِيهِ بِأَنْ أَلْقَى فِي قَلْبِ مَنْ أَرَادَ شِرَاءَ الْعَقَارِ الَّذِي خَلَّفَهُ الرَّغْبَةَ فِي شِرَائِهِ حَتَّى زَادَ عَلَى قِيمَتِهِ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، ثُمَّ سَرَتْ تِلْكَ الْبَرَكَةُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ لِمَا ظَهَرَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ حَتَّى رَبِحَ فِي نَصِيبِهِ مِنَ الْأَرْضِ مَا أَرْبَحَهُ مُعَاوِيَةُ. وَفِيهِ أَنْ لَا كَرَاهَةَ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الزَّوْجَاتِ وَالْخَدَمِ.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ كَرِهَ جَمْعَ الْأَمْوَالِ الْكَثِيرَةِ مِنْ جَهَلَةِ الْمُتَزَهِّدِينَ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُنَاسِبُ مَقَامَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ لَهَجًا بِالْوَعْظِ، فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ الْوَاعِظِ التَّحْرِيضَ عَلَى الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالتَّقَلُّلِ مِنْهَا، وَكَوْنُ مِثْلِ هَذَا لَا يُكْرَهُ لِلزُّبَيْرِ وَأَنْظَارِهِ لَا يَطَّرِدُ. وَفِيهِ بَرَكَةُ الْعَقَارِ وَالْأَرْضِ لِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ بِغَيْرِ كَثِيرِ تَعَبٍ وَلَا دُخُولٍ فِي مَكْرُوهٍ كَاللَّغْوِ الْوَاقِعِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَفِيهِ إِطْلَاقُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ لِمَنْ يُظَنُّ بِهِ مَعْرِفَةُ الْمُرَادِ، وَالِاسْتِفْهَامُ لِمَنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ، لِأَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ لِابْنِهِ اسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلَايَ وَالْمَوْلَى لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ فَجَوَّزَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بَعْضَ عُتَقَائِهِ مَثَلًا فَاسْتَفْهَمَهُ فَعَرَفَ حِينَئِذٍ مُرَادَهُ، وَفِيهِ مَنْزِلَةُ الزُّبَيْرِ عِنْدَ نَفْسِهِ، وَأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ كَانَ فِي غَايَةِ الْوُثُوقِ بِاللَّهِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَالرِّضَا بِحُكْمِهِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي نَفْسِهِ مُحِقًّا مُصِيبًا فِي الْقِتَالِ وَلِذَلِكَ قَالَ: إِنَّ أَكْبَرَ هَمِّهِ دَيْنُهُ، وَلَوْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ غَيْرُ مُصِيبٍ أَوْ أَنَّهُ آثِمٌ بِاجْتِهَادِهِ ذَلِكَ لَكَانَ اهْتِمَامُهُ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْقِتَالِ أَشَدَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اعْتَمَدَ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يُؤْجَرُ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَلَوْ أَخْطَأَ. وَفِيهِ شِدَّةُ أَمْرِ الدَّيْنِ، لِأَنَّ مِثْلَ الزُّبَيْرِ مَعَ مَا سَبَقَ لَهُ مِنَ السَّوَابِقِ وَثَبَتَ لَهُ مِنَ الْمَنَاقِبِ رَهِبَ مِنْ وُجُوهِ مُطَالَبَةِ مَنْ لَهُ فِي جِهَتِهِ حَقٌّ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَفِيهِ اسْتِعْمَالُ التَّجَوُّزِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْكَلَامِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ أَرْبَعُ سِنِينَ فِي الْمَوَاسِمِ لِأَنَّهُ إِنَّ عَدَّ مَوْسِمَ سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَلَمْ يُؤَخِّرْ ذَلِكَ إِلَّا ثَلَاثَ سِنِينَ وَنِصْفًا، وَإِنْ لَمْ يَعُدَّهُ فَقَدْ أَخَّرَ ذَلِكَ أَرْبَعَ سِنِينَ وَنِصْفًا، فَفِيهِ إِلْغَاءُ الْكَسْرِ أَوْ جَبْرُهُ. وَفِيهِ قُوَّةُ نَفْسِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِعَدَمِ قَبُولِهِ مَا سَأَلَهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ مِنَ الْمُعَاوَنَةِ، وَمَا سَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ مِنَ الْمُحَالَةِ.
١٤ - بَاب إِذَا بَعَثَ الْإِمَامُ رَسُولًا فِي حَاجَةٍ، أَوْ أَمَرَهُ بِالْمُقَامِ، هَلْ يُسْهَمُ لَهُ؟
٣١٣٠ - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَوْهَبٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: إِنَّمَا تَغَيَّبَ عُثْمَانُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ
[الحديث ٣١٣٠ - أطرافه في: ٣٦٩٨، ٣٧٠٤، ٤٠٦٦، ٤٥١٣، ٤٥١٤، ٤٦٥٠، ٤٦٥١، ٧٠٩٥]
قَوْلُهُ: (بَابُ إِذَا بَعَثَ الْإِمَامُ رَسُولًا فِي حَاجَةٍ أَوْ أَمَرَهُ بِالْمُقَامِ) أَيْ بِبَلَدِهِ (هَلْ يُسْهَمُ لَهُ) أَيْ مَعَ الْغَانِمِينَ أَمْ لَا؟
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُوسَى) هُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَقَوْلُهُ عُثْمَانُ بْنُ مَوْهَبٍ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ: وَقَعَ فِي نُسْخَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ - يَعْنِي الْأَصِيلِيَّ -، عَنِ الْجُرْجَانِيِّ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ غَلَطٌ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ مُخْتَصَرًا فِي قِصَّةِ تَخَلُّفِ عُثْمَانَ عَنْ بَدْرٍ، وَسَيَأْتِي مُطَوَّلًا بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَلَى الصَّوَابِ فِي مَنَاقِبِ عُثْمَانَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute