حَدٌّ مُعَيَّنٌ.
قَوْلُهُ: (فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) زَادَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ فِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ أَبْوَابٍ مَنْ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ إِذَا اعْتَكَفَ صَوْمًا وَتَرْجَمَةُ هَذَا الْبَابِ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ إِذَا سَاغَ لَيْلًا بِغَيْرِ نَهَارٍ اسْتَلْزَمَ صِحَّتَهُ بِغَيْرِ صِيَامٍ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَبِاشْتِرَاطِ الصِّيَامِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ. أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَعَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ، وَاخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَاحْتَجَّ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ ﷺ لَمْ يَعْتَكِفْ إِلَّا بِصَوْمٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ أَنَّهُ اعْتَكَفَ فِي شَوَّالٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الِاعْتِكَافَ أَثَرَ الصَّوْمِ فَقَالَ: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ﴾ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَلَازُمِهِمَا، وَإِلَّا لَكَانَ لَا صَوْمَ إِلَّا بِاعْتِكَافٍ وَلَا قَائِلَ بِهِ، وَسَنَذْكُرُ بَقِيَّةَ فَوَائِدِ حَدِيثِ عُمَرَ فِي كِتَابِ النُّذُورِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى -. وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ: أَقَلُّ الِاعْتِكَافِ عَشْرَةُ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُهُ فِي أَوَّلِ الِاعْتِكَافِ، وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا مُبْهَمًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٦ - بَاب اعْتِكَافِ النِّسَاءِ
٢٠٣٣ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ. فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً، فَأَذِنَتْ لَهَا فَضَرَبَتْ خِبَاءً. فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ بنت جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ ﷺ رَأَى الْأَخْبِيَةَ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَأُخْبِرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَلْبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ؟ فَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ.
قَوْلُهُ: (بَابُ اعْتِكَافِ النِّسَاءِ) أَيْ: مَا حُكْمُهُ وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ كَرَاهَتَهُ لَهُنَّ فِي الْمَسْجِدِ، الَّذِي تُصَلَّى فِيهِ الْجَمَاعَةُ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ، فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى كَرَاهَةِ الِاعْتِكَافِ لِلْمَرْأَةِ إِلَّا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا؛ لِأَنَّهَا تَتَعَرَّضُ لِكَثْرَةِ مَنْ يَرَاهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَوْلَا أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ زَادَ فِي الْحَدِيثِ - أَيْ: حَدِيثِ الْبَابِ - أَنَّهُنَّ اسْتَأْذَنَّ النَّبِيَّ ﷺ فِي الِاعْتِكَافِ لَقَطَعْتَ بِأَنَّ اعْتِكَافَ الْمَرْأَةِ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ غَيْرُ جَائِزٍ. انْتَهَى. وَشَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ لِصِحَّةِ اعْتِكَافِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَكُونَ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا، وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمْ أَنَّ لَهَا الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ زَوْجِهَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَنَسَبَهُ خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَمْرَةَ) فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ الْآتِيَةِ فِي أَوَاخِرِ الِاعْتِكَافِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَتْنِي عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ عَائِشَةَ) فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ.
قَوْلُهُ: (كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً) أَيْ: بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ، وَقَوْلُهُ: فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْآتِيَةِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ فِي شَوَّالٍ كَانَ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ، فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ دَخَلَ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ مَبْدَأَ الِاعْتِكَافِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَسَيَأْتِي نَقْلُ الْخِلَافِ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute