كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِيهِ أَنَّ عُمَرَ قَتَلَ الْمُنَافِقَ وَأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ وَتَسْمِيَةِ عُمَرَ الْفَارُوقَ.
وَهَذَا الْإِسْنَادُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنْ تَقَوَّى بِطَرِيقِ مُجَاهِدٍ وَلَا يَضُرُّهُ الِاخْتِلَافُ لِإِمْكَانِ التَّعَدُّدِ، وَأَفَادَ الْوَاحِدِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ اسْمَ الْأَنْصَارِيِّ الْمَذْكُورِ قَيْسٌ، وَرَجَّحَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَعَزَاهُ إِلَى أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي تَهْذِيبِهِ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا هَذِهِ الْقِصَّةُ لِيَتَّسِقَ نِظَامُ الْآيَاتِ كُلِّهَا فِي سَبَبٍ وَاحِدٍ، قَالَ وَلَمْ يَعْرِضْ بَيْنَهَا مَا يَقْتَضِي خِلَالَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: وَلَا مَانِعَ أَنْ تَكُونَ قِصَّةُ الزُّبَيْرِ وَخَصْمِهِ وَقَعَتْ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ فَيَتَنَاوَلُهَا عُمُومُ الْآيَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: لَيْسَ أَحَدٌ يَذْكُرُ عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ إِلَّا اللَّيْثَ فَقَطْ) هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ الْحَمَوِيِّ وَحْدَهُ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ وَهُوَ الْقَائِلُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ هُوَ السُّلَمِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ، وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِ الْبُخَارِيِّ وَتَأَخَّرَ بَعْدَهُ مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْبُخَارِيُّ الْمُصَنِّفُ، وَهُوَ مُصَرِّحٌ بِتَفَرُّدِ اللَّيْثِ بِذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي إِسْنَادِهِ فَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقًا ورد عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ، وَيُونُسَ جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَإِنْ أَرَادَ بِقَيْدٍ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ بَلْ جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَمُسَلَّمٌ، فَإِنَّ رِوَايَةَ ابْنِ وَهْبٍ فِيهَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ كَمَا تَق دَّمَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، وَقَدْ نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ، عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ ابْنَ وَهْبٍ رَوَى عَنِ اللَّيْثِ، وَيُونُسَ نَحْوَ رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ.
٧ - بَاب شُرْبِ الْأَعْلَى قَبْلَ الْأَسْفَلِ
٢٣٦١ - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: خَاصَمَ الزُّبَيْرَ رَجُلا مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: يَا زُبَيْرُ اسْقِ ثُمَّ أَرْسِلْ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: إِنَّهُ ابْنُ عَمَّتِكَ. فَقَالَ ﵇: اسْقِ يَا زُبَيْرُ حتى يَبْلُغُ الْمَاءُ الْجَدْرَ ثُمَّ أَمْسِكْ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: فَأَحْسِبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾
قَوْلُهُ: (بَابُ شُرْبِ الْأَعْلَى قَبْلَ الْأَسْفَلِ) فِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ، والْكُشْمِيهَنِيِّ قَبْلَ السُّفْلَى، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَا وَقَعَ فِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَسْقِيَ الْأَعْلَى ثُمَّ الْأَسْفَلُ. قَالَ الْعُلَمَاءُ: الشُّرْبُ مِنْ نَهَرٍ أَوْ مَسِيلٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ يُقَدَّمُ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، وَلَا حَقَّ لِلْأَسْفَلِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ الْأَعْلَى، وَحَدُّهُ أَنْ يُعْطِيَ الْمَاءَ الْأَرْضَ حَتَّى لَا تَشْرَبَهُ وَيَرْجِعَ إِلَى الْجِدَارِ ثُمَّ يُطْلِقَهُ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ أَرْسِلْ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ.
قَوْلُهُ: (اسْقِ يَا زُبَيْرُ حَتَّى يَبْلُغَ) فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ وَالْأَصِيلِيِّ اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ يَبْلُغَ الْمَاءُ الْجَدْرَ، وَسَقَطَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ ذِكْرُ الْمَاءِ، زَادَ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَعْمَرٍ ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ، وَاسْتَوْعَى لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ حِينَ أَحْفَظَهُ الْأَنْصَارِيُّ وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فِي الصُّلْحِ فَاسْتَوْعَى لِلزُّبَيْرِ حِينَئِذٍ حَقَّهُ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ فِيهِ سَعَةٌ لَهُ وَلِلْأَنْصَارِيِّ فَقَوْلُهُ اسْتَوْعَى أَيِ اسْتَوْفَى، وَهُوَ مِنَ الْوَعْيِ كَأَنَّهُ جَمَعَهُ لَهُ فِي وِعَائِهِ، وَقَوْلُهُ: أَحْفَظَهُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالظَّاءِ الْمُشَالَةِ أَيْ أَغْضَبَهُ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ، وَكَانَتْ عَادَتُهُ أَنْ يَصِلَ بِالْحَدِيثِ مِنْ كَلَامِهِ مَا يَظْهَرُ لَهُ مِنْ مَعْنَى الشَّرْحِ وَالْبَيَانِ.
قُلْتُ: لَكِنِ الْأَصْلُ فِي الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ كُلُّهُ وَاحِدًا حَتَّى يَرِدَ مَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ، وَلَا يَثْبُتُ الْإِدْرَاجُ بِالِاحْتِمَالِ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute