اللَّهَ وَسَّعَ عَلَيْكُمْ فَاقْرِنُوا فَلَعَلَّ النَّوَوِيَّ أَشَارَ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفًا، قَالَ الْحَازِمِيُّ: حَدِيثُ النَّهْيِ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ، إِلَّا أَنَّ الْخَطْبَ فِيهِ يَسِيرٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَيَكْتفِي فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَيُعَضِّدُهُ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ.
كَذَا قَالَ، وَمُرَادُهُ بِالْجَوَازِ فِي حَالِ كَوْنِ الشَّخْصِ مَالِكًا لِذَلِكَ الْمَأْكُولِ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْإِذْنِ لَهُ فِيهِ كَمَا قَرَّرَهُ النَّوَوِيُّ، وَإِلَّا فَلَمْ يُجِزْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَسْتَأْثِرَ أَحَدٌ بِمَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، حَتَّى لَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي وَضَعَ الطَّعَامَ بَيْنَ الضِّيفَانِ لَا يُرْضِيهِ اسْتِئْثَارُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ حَرُمَ الِاسْتِئْثَارُ جَزْمًا، وَإِنَّمَا تَقَعُ الْمُكَارَمَةُ فِي ذَلِكَ إِذَا قَامَتْ قَرِينَةُ الرِّضَا. وَذَكَرَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي ذَيْلِ الْغَرِيبَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ اسْتِقْبَاحَ الْقِرَانِ لِمَا فِيهِ مِنَ الشَّرَهِ وَالطَّمَعِ الْمُزْرِي بِصَاحِبِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ بِجَمِيلٍ أَنْ يَأْكُلَ أَكْثَرَ مِنْ رُفْقَتِهِ.
تَنْبِيهٌ:
فِي مَعْنَى التَّمْرِ الرُّطَبِ وَكَذَا الزَّبِيبُ وَالْعِنَبُ وَنَحْوُهُمَا، لِوُضُوحِ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: حَمَلَ أَهْلُ الظَّاهِرِ هَذَا النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَهُوَ سَهْوٌ مِنْهُمْ وَجَهْلٌ بِمَسَاقِ الْحَدِيثِ وَبِالْمَعْنَى، وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى حَالِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْأَكْلِ وَالِاجْتِمَاعِ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ فَهْمِ ابْنِ عُمَرَ رَاوِيهِ وَهُوَ أَفْهَمُ لِلْمَقَالِ وَأَقْعَدُ بِالْحَالِ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِمَّنْ يُوضَعُ الطَّعَامُ بَيْنَ يَدَيْهِ مَتَى يَمْلِكُهُ؟ فَقِيلَ بِالْوَضْعِ، وَقِيلَ بِالرَّفْعِ إِلَى فِيهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ، فَعَلَى الْأَوَّلِ فَمِلْكُهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْرُنَ إِلَّا بِإِذْنِ الْبَاقِينَ، وَعَلَى الثَّانِي يَجُوزُ أَنْ يَقْرُنَ ; لَكِنَّ التَّفْصِيلَ الَّذِي تَقَدَّمَ هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْقَوَاعِدُ الْفِقْهِيَّةُ. نَعَمْ مَا يُوضَعُ بَيْنَ يَدَيِ الضِّيفَانِ وَكَذَلِكَ النِّثَارُ فِي الْأَعْرَاسِ سَبِيلُهُ فِي الْعُرْفِ سَبِيلُ الْمُكَارَمَةِ لَا التَّشَاحِّ، لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي مِقْدَارِ الْأَكْلِ، وَفِي الِاحْتِيَاجِ إِلَى التَّنَاوُلِ مِنَ الشَّيْءِ، وَلَوْ حُمِلَ الْأَمْرُ عَلَى تَسَاوِي السُّهْمَانِ بَيْنَهُمْ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى الْوَاضِعِ وَالْمَوْضُوعِ لَهُ، وَلَمَا سَاغَ لِمَنْ لَا يَكْفِيهِ الْيَسِيرُ أَنْ يَتَنَاوَلَ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِ مَنْ يُشْبِعُهُ الْيَسِيرُ، وَلَمَا لَمْ يَتَشَاحَّ النَّاسُ فِي ذَلِكَ وَجَرَى عَمَلُهُمْ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فِيهِ عُرِفَ أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي كُلِّ حَالَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٤٥ - بَاب الْقِثَّاءِ
٥٤٤٧ - حَدَّثَنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ.
قَوْلُهُ (بَابُ الْقِثَّاءِ) يَأْتِي شَرْحُ حَدِيثِهِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
٤٦ - بَاب بَرَكَةِ النَّخْلِة
٥٤٤٨ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً تَكُونُ مِثْلَ الْمُسْلِمِ، وَهِيَ النَّخْلَةُ.
قَوْلُهُ (بَابُ بَرَكَةِ النَّخْلَةِ) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ مُخْتَصَرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ قَرِيبًا وَأَنَّهُ مَرَّ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْعِلْمِ.
٤٧ - بَاب جَمْعِ اللَّوْنَيْنِ، أَوْ الطَّعَامَيْنِ، بِمَرَّةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute