فَنَقَلَ عَنِ الْحَافِظِ الضِّيَاءِ أَنَّهُ الْقَطَّانُ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ؛ فَإِنَّ الضِّيَاءَ حَكَى قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ثُمَّ رَدَّهُ وَجَزَمَ بِأَنَّهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَلَمْ يَقُلِ الْقَطَّانَ، وَلَا جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ الْقَطَّانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا سَلَمَةَ، وَلَيْسَتْ لِزُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْهُ رِوَايَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ يَرْوِي عَنْ زُهَيْرٍ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ.
قَوْلُهُ: (فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ لَا تَتَطَوَّعُ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّيَامِ لَا فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَلَا فِي عَاشُورَاءَ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ لَا تَرَى جَوَازَ صِيَامِ التَّطَوُّعِ لِمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِنْ رَمَضَانَ، وَمِنْ أَيْنَ لِقَائِلِهِ ذَلِكَ؟ قَوْلُهُ: (قَالَ يَحْيَى) أَيِ: الرَّاوِي الْمَذْكُورُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إِلَيْهِ فَهُوَ مَوْصُولٌ.
قَوْلُهُ: (الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ ﷺ هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: الْمَانِعُ لَهَا الشُّغْلُ، أَوْ هُوَ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ تَقْدِيرُهُ: الشُّغْلُ هُوَ الْمَانِعُ لَهَا. وَفِي قَوْلِهِ: قَالَ يَحْيَى هَذَا تَفْصِيلٌ لِكَلَامِ عَائِشَةَ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهَا، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ مُدْرَجًا لَمْ يَقُلْ فِيهِ قَالَ يَحْيَى فَصَارَ كَأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ أَوْ مَنْ رَوَى عَنْهَا، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ زُهَيْرٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ يَحْيَى مُدْرَجًا أَيْضًا، وَلَفْظُهُ: وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَحْيَى، فَبَيَّنَ إِدْرَاجَهُ، وَلَفْظُهُ: فَظَنَنْتُ أَنَّ ذَلِكَ لِمَكَانِهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَحْيَى يَقُولُهُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَسُفْيَانُ، وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَالِدٍ كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى بِدُونِ الزِّيَادَةِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بِدُونِ الزِّيَادَةِ، لَكِنْ فِيهِ مَا يُشْعِرُ بِهَا، فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ مَا مَعْنَاهُ: فَمَا أَسْتَطِيعُ قَضَاءَهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَعِيَّةِ الزَّمَانَ أَيْ أنَّ ذَلِكَ كَانَ خَاصًّا بِزَمَانِهِ.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ، وَابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ عَنْ عَائِشَةَ: مَا قَضَيْتُ شَيْئًا مِمَّا يَكُونُ عَلَيَّ مِنْ رَمَضَانَ إِلَّا فِي شَعْبَانَ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الزِّيَادَةِ أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَقْسِمُ لِنِسَائِهِ فَيَعْدِلُ، وَكَانَ يَدْنُو مِنَ الْمَرْأَةِ فِي غَيْرِ نَوْبَتِهَا فَيُقَبِّلُ وَيَلْمِسُ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، فَلَيْسَ فِي شُغْلِهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا يَمْنَعُ الصَّوْمَ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ لَا تَصُومُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يَأْذَنُ لِاحْتِمَالِ احْتِيَاجِهِ إِلَيْهَا، فَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ أَذِنَ لَهَا، وَكَانَ هُوَ ﷺ يُكْثِرُ الصَّوْمَ فِي شَعْبَانَ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ لَا يَتَهَيَّأُ لَهَا الْقَضَاءُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ قَضَاءِ رَمَضَانَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ كَمَا بَيَّنَّاهُ مُدْرَجَةٌ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَرْفُوعَةً لَكَانَ الْجَوَازُ مُقَيَّدًا بِالضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ لِلْحَدِيثِ حُكْمَ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى ذَلِكَ مَعَ تَوَفُّرِ دَوَاعِي أَزْوَاجِهِ عَلَى السُّؤَالِ مِنْهُ عَنْ أَمْرِ الشَّرْعِ، فَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا لَمْ تُوَاظِبْ عَائِشَةُ عَلَيْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ حِرْصِهَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَعْبَانَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَانُ آخَرُ. وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يُثْبِتُهُ وَلَا يَنْفِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ.
٤١ - بَاب الْحَائِضِ تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ
وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الْحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلَافِ الرَّأْيِ، فَمَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنْ اتِّبَاعِهَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ
١٩٥١ - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدٌ، عَنْ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ﵁ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute