لَا تُخْرِجْنَا وَدَعْنَا كَمَا أَقَرَّنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَتَرَاهُ سَقَطَ عَلَيَّ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَيْفَ بِكَ إِذَا رَقَصَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ نَحْوَ الشَّأمِ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا، فَقَسَمَهَا عُمَرُ بَيْنَ مَنْ كَانَ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ الْبَغَوِيُّ: هَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ حَمَّادٍ، وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ حَمَّادٍ بِغَيْرِ شَكٍّ، قُلْتُ: وَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي مُسْنَدِ عُمَرَ النَّجَّارِ مِنْ طَرِيقِ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَمَّادٍ بِغَيْرِ شَكٍّ، وَفِيهِ قَوْلُهُ: رَقَصَتْ بِكَ أَيْ أَسْرَعَتْ فِي السَّيْرِ، وَقَوْلُهُ: نَحْوَ الشَّامِ تَقَدَّمَ فِي الْمُزَارَعَةِ أَنَّ عُمَرَ أَجَلَاهُمْ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ.
(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ لِلْحُمَيْدِيِّ نِسْبَةُ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ مُطَوَّلَةً جِدًّا إِلَى الْبُخَارِيِّ، وَكَأَنَّهُ نَقَلَ السِّيَاقَ مِنْ مُسْتَخْرَجِ الْبَرْقَانِيِّ كَعَادَتِهِ وَذَهَلَ عَنْ عَزْوِهِ إِلَيْهِ، وَقَدْ نَبَّهَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَلَى أَنَّ حَمَّادًا كَانَ يُطَوِّلُهُ تَارَةً وَيَرْوِيهِ تَارَةً مُخْتَصَرًا، وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى بَعْضِ مَا فِي رِوَايَتِهِ قَبْلُ، قَالَ الْمُهَلَّبُ: فِي الْقِصَّةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَدَاوَةَ تُوَضَّحُ الْمُطَالَبَةَ بِالْجِنَايَةِ كَمَا طَالَبَ عُمَرُ الْيَهُودَ بِفَدَعِ ابْنِهِ، وَرَجَّحَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ: لَيْسَ لَنَا عَدُوٌّ غَيْرَهُمْ، فَعَلَّقَ الْمُطَالَبَةَ بِشَاهِدِ الْعَدَاوَةِ. وَإِنَّمَا لَمْ يَطْلُبِ الْقِصَاصَ لِأَنَّهُ فُدِعَ وَهُوَ نَائِمٌ فَلَمْ يَعْرِفْ أَشْخَاصَهُمْ. وَفِيهِ أَنَّ أَفْعَالَ النَّبِيِّ ﷺ وَأَقْوَالَهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الْمَجَازِ.
١٥ - بَاب الشُّرُوطِ فِي الْجِهَادِ، وَالْمُصَالَحَةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَكِتَابَةِ الشُّرُوطِ
٢٧٣١، ٢٧٣٢ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ - يُصَدِّقُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدِيثَ صَاحِبِهِ - قَالَا: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةٌ، فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ. فَوَاللَّهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ حَتَّى إِذَا هُمْ بِقَتَرَةِ الْجَيْشِ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ ﷺ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي يُهْبَطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ، فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ! فَأَلَحَّتْ، فَقَالُوا: خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ، خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَا خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ، وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ، ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إِلَّا أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا.
ثُمَّ زَجَرَهَا، فَوَثَبَتْ، قَالَ: فَعَدَلَ عَنْهُمْ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ حَتَّى نَزَحُوهُ، وَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْعَطَشُ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَوَاللَّهِ مَا زَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ، فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ، وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ وَمَعَهُمْ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنْ الْبَيْتِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهِكَتْهُمْ الْحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ، فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute