فَقَالَ: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا﴾ لِتَفَاوُتِ مَا بَيْنَ الْإِفَاضَتَيْنِ، وَأَنَّ إِحْدَاهُمَا صَوَابٌ، وَالْأُخْرَى خَطَأٌ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: تَضَمَّنَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ الْأَمْرَ بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، لِأَنَّ الْإِفَاضَةَ إِنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ اجْتِمَاعٍ قَبْلَهُ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ. وَزَادَ: وَبَيَّنَ الشَّارِعُ مُبْتَدَأَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَمُنْتَهَاهُ.
٩٢ - بَاب السَّيْرِ إِذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ
١٦٦٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ بأَنَّهُ قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنَا جَالِسٌ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسِيرُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ حِينَ دَفَعَ؟ قَالَ: كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ. قَالَ هِشَامٌ: وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: فَجْوَةٌ مُتَّسَعٌ، وَالْجَمِيعُ فَجَوَاتٌ وَفِجَاءٌ، وَكَذَلِكَ رَكْوَةٌ وَرِكَاءٌ، مَنَاصٌ لَيْسَ حِينَ فِرَارٍ.
[الحديث ١٦٦٦ - طرفاه في: ٢٩٩٩، ٤٤٦٣]
قَوْلُهُ: (بَابُ السَّيْرِ إِذَا دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ) أَيْ صِفَتِهِ.
قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِيهِ) فِي رِوَايَةِ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامٍ سَمِعْتُ أَبِي.
قَوْلُهُ: (سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنَا جَالِسٌ) فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مَالِكٍ وَأَنَا جَالِسٌ مَعَهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ سُئِلَ أُسَامَةُ وَأَنَا شَاهِدٌ وَقَالَ سَأَلْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ.
قَوْلُهُ: (حِينَ دَفَعَ) فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى اللَّيْثِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ حِينَ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ.
قَوْلُهُ: (الْعَنَقَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ هُوَ السَّيْرُ الَّذِي بَيْنَ الْإِبْطَاءِ وَالْإِسْرَاعِ قَالَ فِي: الْمَشَارِقِ: هُوَ سَيْرٌ سَهْلٌ فِي سُرْعَةٍ وَقَالَ الْقَزَّازُ: الْعَنَقُ سَيْرٌ سَرِيعٌ وَقِيلَ الْمَشْيُ الَّذِي يَتَحَرَّكُ بِهِ عُنُقُ الدَّابَّةِ وَفِي الْفَائِقِ: الْعَنَقُ الْخَطْوُ الْفَسِيحُ. وَانْتَصَبَ الْعَنَقُ عَلَى الْمَصْدَرِ الْمُؤَكَّدِ مِنْ لَفْظِ الْفِعْلِ.
قَوْلُهُ: (نَصَّ) أَيْ أَسْرَعَ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: النَّصُّ تَحْرِيكُ الدَّابَّةِ حَتَّى يَسْتَخْرِجَ بِهِ أَقْصَى مَا عِنْدَهَا وَأَصْلُ النَّصِّ غَايَةُ الْمَشْيِ وَمِنْهُ نَصَصْتُ الشَّيْءَ رَفَعْتُهُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي ضَرْبٍ سَرِيعٍ مِنَ السَّيْرِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ هِشَامٌ) يَعْنِي ابْنَ عُرْوَةَ الرَّاوِيَ، وَكَذَا بَيَّنَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ كَلَامِهِ وَأَدْرَجَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْجِهَادِ، وَسُفْيَانُ فِيمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَوَكِيعٌ فِيمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ، وَقَدْ رَوَاهُ إِسْحَاقُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ وَكِيعٍ فَفَصَلَهُ وَجَعَلَ التَّفْسِيرَ مِنْ كَلَامِ وَكِيعٍ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ فَفَصَلَهُ وَجَعَلَ التَّفْسِيرَ مِنْ كَلَامِ سُفْيَانَ، وَسُفْيَانُ، وَوَكِيعٌ إِنَّمَا أَخَذَا التَّفْسِيرَ الْمَذْكُورَ عَنْ هِشَامٍ فَرَجَعَ التَّفْسِيرُ إِلَيْهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَكْثَرُ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ فَلَمْ يَذْكُرُوا التَّفْسِيرَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ أَنَّهُ قَالَ فَمَا رَأَيْتُ نَاقَتَهُ رَافِعَةً يَدَهَا حَتَّى أَتَى جَمْعًا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الزِّحَامِ دُونَ غَيْرِهِ اهـ، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ حَفْصٌ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَرْدَفَهُ حِينَ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ، فَإِنَّ الْبِرَّ لَيْسَ بِالْإِيجَافِ، قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ نَاقَتَهُ رَافِعَةً يَدَهَا حَتَّى أَتَى جَمْعًا. الْحَدِيثَ.
وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَسَيَأْتِي لِلْمُصَنِّفِ بَعْدَ بَابٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَ فِيهِ أُسَامَةُ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ. وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ قَالَ فَمَا