وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ الْجَنَّةُ، قَالَ: فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ مَنْ يُحْذَرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِيَسْتَبِينَ أَمْرُهُ)؛ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْأَثَرَ الْوَارِدَ فِي النَّهْيِ عَنِ النَّظَرِ فِي كِتَابِ الْغَيْرِ يُخَصُّ مِنْهُ مَا يَتَعَيَّنُ طَرِيقًا إِلَى دَفْعِ مَفْسَدَةٍ هِيَ أَكْثَرُ مِنْ مَفْسَدَةِ النَّظَرِ، وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِلَفْظِ: مَنْ نَظَرَ فِي كِتَابِ أَخِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَكَأَنَّمَا يَنْظُرُ فِي النَّارِ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ.
ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْبَابِ حَدِيثَ عَلِيٍّ فِي قِصَّةِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُمْتَحَنَةِ، وَيُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ شَيْخُهُ فِيهِ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ، شَيْخٌ كُوفِيٌّ أَصْلُهُ مِنَ الْأَنْبَارِ، وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ مِنَ السِّتَّةِ إِلَّا الْبُخَارِيُّ، وَمَا لَهُ فِي الصَّحِيحِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى فِي الْمَغَازِي وَالتَّفْسِيرِ، مِنْهَا فِي الْمَغَازِي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ هُنَا، وَبَقِيَّةُ رِجَالِ الْإِسْنَادِ كُلُّهُمْ كُوفِيُّونَ أَيْضًا.
قَالَ ابْنُ التِّينِ: مَعْنَى بُهْلُولٍ: الضَّحَّاكُ وَسُمِّيَ بِهِ، وَلَا يُفْتَحُ أَوَّلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فَعْلُولٌ بِالْفَتْحِ، وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ هَتْكُ سَتْرِ الذَّنْبِ، وَكَشْفُ الْمَرْأَةِ الْعَاصِيَةِ، وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرِ فِي كِتَابِ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّهَمًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُتَّهَمًا فَلَا حُرْمَةَ لَهُ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي لَا يَجِدُ بُدًّا مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا.
وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: قَوْلُ عُمَرَ: دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: لَا تَقُولُوا لَهُ إِلَّا خَيْرًا يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ قَوْلُهُ قَبْلَ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ انْتَهَى. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ لِشِدَّتِهِ فِي أَمْرِ اللَّهِ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ مَنْعِ الْقَوْلِ السَّيِّئِ لَهُ، وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ إِقَامَةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ لِلذَّنْبِ الَّذِي ارْتَكَبَهُ، فَبَيَّنَ النَّبِيُّ ﷺ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي اعْتِذَارِهِ، وَأَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ.
٢٤ - بَاب كَيْفَ يُكْتَبُ الْكِتَابُ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ؟
٦٢٦٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ - وَكَانُوا تِجَارًا بِالشَّامِ - فَأَتَوْهُ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقُرِئَ، فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، السَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ. .
قَوْلُهُ: (بَابُ كَيْفَ يُكْتَبُ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ) ذَكَرَ فِيهِ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ فِي قِصَّةِ هِرَقْلَ، وَهُوَ وَاضِحٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: فِيهِ جَوَازُ كِتَابَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ، وَتَقْدِيمُ اسْمِ الْكَاتِبِ عَلَى الْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ.
قَالَ: وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ مُكَاتَبَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالسَّلَامِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، قُلْتُ: فِي جَوَازِ السَّلَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ نَظَرٌ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ السَّلَامُ الْمُقَيَّدُ، مِثْلَ مَا فِي الْخَبَرِ: السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَوِ السَّلَامُ عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ بِالْحَقِّ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَقْلُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ.