وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا يَحْلِفُ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بها مَالًا وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا﴾ الْآيَةَ.
٧١٨٤ - فَجَاءَ الْأَشْعَثُ، وَعَبْدُ اللَّهِ يُحَدِّثُهُمْ فَقَالَ: فِيَّ نَزَلَتْ، وَفِي رَجُلٍ خَاصَمْتُهُ فِي بِئْرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قُلْتُ: لَا. قَالَ: فَلْيَحْلِفْ. قُلْتُ: إِذًا يَحْلِفُ، فَنَزَلَتْ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ﴾ الْآيَةَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ الْحُكْمِ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا) ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ - وَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ - فِي نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا﴾ وَفِيهِ قَوْلُ الْأَشْعَثِ: فِيَّ نَزَلَتْ، وَفِي رَجُلٍ خَاصَمْتُهُ فِي بِئْرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ.
قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ فِي أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي الظَّاهِرِ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ وَلَا يُبِيحُ الْمَحْظُورَ، لِأَنَّهُ ﷺ حَذَّرَ أُمَّتَهُ عُقُوبَةَ مَنِ اقْتَطَعَ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِيَمِينٍ فَاجِرَةٍ، وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ أَشَدِّ وَعِيدٍ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَحَيَّلَ عَلَى أَخِيهِ وَتَوَصَّلَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ حَقِّهِ بِالْبَاطِلِ، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ لِشِدَّةِ الْإِثْمِ فِيهِ، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: وَجْهُ دُخُولِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ فِي الْقِصَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبِئْرِ وَالدَّارِ وَالْعَبْدِ حَتَّى تَرْجَمَ عَلَى الْبِئْرِ وَحْدَهَا، أَنَّهُ أَرَادَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ، فَحَقَّقَ بِالتَّرْجَمَةِ أَنَّهُ يُمْلَكُ لِوُقُوعِ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ فِيهَا، انْتَهَى. وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى الْبِئْرِ بَلْ قَالَ وَنَحْوِهَا، وَالثَّانِي: لَوِ اقْتَصَرَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ مَنَعَ بَيْعَ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْبِئْرِ وَلَا يَدْخُلُ الْمَاءُ، وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ تَصْرِيحٌ بِالْمَاءِ فَكَيْفَ يَصِحُّ الرَّدُّ.
٣١ - بَاب الْقَضَاء فِي كثير الْمَالِ وقليله
وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ: الْقَضَاءُ فِي قَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ سَوَاءٌ
٧١٨٥ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ، عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ جَلَبَةَ خِصَامٍ عِنْدَ بَابِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ لهم: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضًا أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ أَقْضِي لَهُ بِذَلِكَ وَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَدَعْهَا.
قَوْلُهُ (بَابٌ) بِالتَّنْوِينِ (الْقَضَاءُ فِي قَلِيلِ الْمَالِ وَكَثِيرِهِ سَوَاءٌ) قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: كَأَنَّهُ خَشِيَ غَائِلَةَ لتخْصِيصِ فِي التَّرْجَمَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ فَتَرْجَمَ بِأَنَّ الْقَضَاءَ عَامٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ: قَلَّ أَوْ جَلَّ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَذْكُورَ قَبْلَ ببَابٍ، لِقَوْلِهِ فِيهِ: فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَنِيبَ بَعْضَ مَنْ يُرِيدُ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ دُونَ بَعْضٍ، بِحَسَبِ قُوَّةِ مَعْرِفَتِهِ وَنَفَاذِ كَلِمَتِهِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، أَوْ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا يَجِبُ الْيَمِينُ إِلَّا فِي قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْمَالِ، وَلَا تَجِبُ فِي الشَّيْءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute