لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يُشْبِهُ التَّلْبِيدَ الَّذِي أَوْجَبَ الشَّارِعُ فِيهِ الْحَلْقَ، وَكَانَ عُمَرُ يَرَى أَنَّ مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ فِي الْإِحْرَامِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَالنُّسُكُ وَلَا يُجْزِئُهُ التَّقْصِيرُ، فَشُبِّهَ مَنْ ضَفَّرَ رَأْسَهُ بِمَنْ لَبَّدَهُ. فَلِذَلِكَ أَمَرَ مَنْ ضَفَّرَ أَنْ يَحْلِقَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ أَرَادَ الْأَمْرَ بِالْحَلْقِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ إِلَى التَّلْبِيدِ وَلَا إِلَى الضَّفْرِ، أَيْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَفِّرَ أَوْ يُلَبِّدَ فَلْيَحْلِقْ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يُضَفِّرَ أَوْ يُلَبِّدَ، ثُمَّ إِذَا أَرَادَ بَعْدَ ذَلِكَ التَّقْصِيرَ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْأَخْذِ مِنْ سَائِرِ النَّوَاحِي كَمَا هِيَ السُّنَّةُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ تَشَبَّهُوا فَحَكَى ابْنُ بَطَّالٍ أَنَّهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْأَصْلُ لَا تَتَشَبَّهُوا فَحُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، قَالَ: وَيَجُوزُ ضَمُّ أَوَّلِهِ وَكَسْرُ الْمُوَحَّدَةِ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ فَهِمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ تَرْكَ التَّلْبِيدِ أَوْلَى، فَأَخْبَرَ هُوَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ ﷺ يَفْعَلُهُ.
وَتَقَدَّمَ شَرْحُ التَّلْبِيدِ وَحُكْمُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ، وَكَذَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي التَّلْبِيدِ.
وَحَدِيثُ حَفْصَةَ إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي الْحَدِيثَ.
٧٠ - بَاب الْفَرْقِ
٥٩١٧ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ، فَسَدَلَ النَّبِيُّ ﷺ نَاصِيَتَهُ، ثُمَّ فَرَقَ بَعْدُ.
٥٩١٨ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: "كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ مُحْرِمٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فِي مَفْرِقِ النَّبِيِّ ﷺ".
قَوْلُهُ: (بَابُ الْفَرْقِ) الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ، أَيْ فَرْقُ شَعْرِ الرَّأْسِ، وَهُوَ قِسْمَتُهُ فِي الْمَفْرِقِ وَهُوَ وَسَطُ الرَّأْسِ، يُقَالُ فَرَقَ شَعْرَهُ فَرْقًا بِالسُّكُونِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَالْمَفْرِقُ مَكَانُ انْقِسَامِ الشَّعْرِ مِنَ الْجَبِينِ إِلَى دَارَةِ وَسَطِ الرَّأْسِ، وَهُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِكَسْرِهَا، وَكَذَلِكَ الرَّاءُ تُكْسَرُ وَتُفْتَحُ. ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ:
الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) كَذَا وَصَلَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَيُونُسُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْهِجْرَةِ وَغَيْرِهَا، وَاخْتُلِفَ عَلَى مَعْمَرٍ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ فَذَكَرَهُ مُرْسَلًا، كَذَا أَرْسَلَهُ مَالِكٌ حَيْثُ أَخْرَجَهُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ فَوْقَهُ.
قَوْلُهُ: (كَانَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ) فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَكَانَ إِذَا شَكَّ فِي أَمْرٍ لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ صَنَعَ مَا يَصْنَعُ أَهْلُ الْكِتَابِ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ أَشْعَارَهُمْ) بِسُكُونِ السِّينِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ يُرْسِلُونَهَا.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ) هُوَ بِسُكُونِ الْفَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَقَدْ شَدَّدَهَا بَعْضُهُمْ، حَكَاهُ عِيَاضٌ قَالَ: وَالتَّخْفِيفُ أَشْهَرُ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ ثُمَّ فَرَقَ الْأَشْهَرُ فِيهِ التَّخْفِيفُ، وَكَأَنَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْأَوْثَانِ أَبْعَدُ عَنِ الْإِيمَانِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَتَمَسَّكُونَ بِشَرِيعَةٍ فِي الْجُمْلَةِ فَكَانَ يُحِبُّ مُوَافَقَتَهُمْ لِيَتَأَلَّفَهُمْ وَلَوْ أَدَّتْ مُوَافَقَتُهُمْ إِلَى مُخَالَفَةِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ أَهْلُ الْأَوْثَانِ الَّذِينَ مَعَهُ وَالَّذِينَ حَوْلَهُ وَاسْتَمَرَّ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى