وَمِمَّا يُقَوِّي حَمْلَ حَدِيثِ عُقْبَةَ عَلَى النَّدْبِ مَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ عَائِشَةِ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْوَطْءُ وَالْإِسْكَانُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِ إِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ إِسْقَاطَ شَيْءٍ مِنْهَا كَانَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَبْطُلُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ الْإِشَارَةُ إِلَى حَدِيثِ: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا، وَحَدِيثُ: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شَرْطِهِمْ مَا وَافَقَ الْحَقَّ، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ خَطَبَ أُمَّ مُبَشِّرٍ بِنْتَ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فَقَالَتْ: إِنِّي شَرَطْتُ لِزَوْجِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ بَعْدَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ هَذَا لَا يَصْلُحُ، وَقَدْ تَرْجَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ تَقَدُّمَةِ شَيْءٍ مِنَ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَفِي انْتِزَاعِهِ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ غُمُوضٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٥٣ - بَاب الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَحِلُّ فِي النِّكَاحِ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا تَشْتَرِطْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا
٥١٥٢ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ زَكَرِيَّاءَ هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا.
قَوْلُهُ: (بَابُ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تَحِلُّ فِي النِّكَاحِ) فِي هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِشَارَةٌ إِلَى تَخْصِيصِ الْحَدِيثِ الْمَاضِي فِي عُمُومِ الْحَثِّ عَلَى الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ بِمَا يُبَاحُ لَا بِمَا نَهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّ الشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ لَا يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهَا فَلَا يُنَاسِبُ الْحَثُّ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَا تُشْتَرَطُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا) كَذَا أَوْرَدَهُ مُعَلَّقًا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَأُبَيِّنُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ بِعَيْنِهِ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَعَلَّهُ لَمَّا لَمْ يَقَعْ لَهُ اللَّفْظُ مَرْفُوعًا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْمُعَلَّقِ؛ إِيذَانًا بِأَنَّ الْمَعْنَى وَاحِدٌ.
قَوْلُهُ: (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا)، هَكَذَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجُنَيْدِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ: لَا يَصْلُحُ لِامْرَأَةٍ أَنْ تَشْتَرِطَ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتُكْفِئَ إِنَاءَهَا، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى لَكِنْ قَالَ: لَا يَنْبَغِي بَدَلَ لَا يَصْلُحُ، وَقَالَ: لِتُكْفِئَ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ ابْنِ الْجُنَيْدِ لَكِنْ قَالَ: لِتُكْفِئَ فَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِلْحَانَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ أَوَّلُهُ: إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ - وَفِيهِ - وَلَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ إِنَاءَ صَاحِبَتِهَا وَلِتُنْكَحَ، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنَ اللَّفْظِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَا.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ أَوَّلِ الْحَدِيثِ إِلَى قَوْلِهِ: حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ، وَنَبَّهْتُ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي بَابِ لَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَ بِهِ عَلَى اللَّفْظَيْنِ، أَوِ انْتَقَلَ الذِّهْنُ مِنْ مَتْنٍ إِلَى مَتْنٍ، وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَدَرِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: لَا تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا وَلِتَنْكِحَ، فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا، وَتَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثٍ أَوَّلُهُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ - وَفِي آخِرِهِ - وَلَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتُكْفِئَ مَا فِي إِنَائِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute