فَقَالَ عَلِيٌّ: مِنْ يَوْمِ هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَتَرَكَ أَرْضَ الشِّرْكِ، فَفَعَلَهُ عُمَرُ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي خَيْثمَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ: رَأَيْتُ بِالْيَمَنِ شَيْئًا يُسَمُّونَهُ التَّارِيخَ يَكْتُبُونَهُ مِنْ عَامِ كَذَا وَشَهْرِ كَذَا، فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا حَسَنٌ فَأَرِّخُوا، فَلَمَّا جَمَعَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ قَوْمٌ: أَرِّخُوا لِلْمَوْلِدِ. وَقَالَ قَائِلٌ: لِلْمَبْعَثِ، وَقَالَ قَائِلٌ: مِنْ حِينِ خَرَجَ مُهَاجِرًا، وَقَالَ قَائِلٌ: مِنْ حِينِ تُوُفِّيَ. فَقَالَ عُمَرُ: أَرِّخُوا مِنْ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ. ثُمَّ قَالَ: بِأَيِّ شَهْرٍ نَبْدَأُ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: مِنْ رَجَبٍ. وَقَالَ قَائِلٌ: مِنْ رَمَضَانَ. فَقَالَ عُثْمَانُ: أَرِّخُوا الْمُحَرَّمَ فَإِنَّهُ شَهْرٌ حَرَامٌ وَهُوَ أَوَّلُ السَّنَةِ وَمُنْصَرَفُ النَّاسِ مِنَ الْحَجِّ. قَالَ: وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ - وَقِيلَ: سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ - فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.
فَاسْتَفَدْنَا مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الْآثَارِ أَنَّ الَّذِي أَشَارَ بِالْمُحَرَّمِ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ ﵃.
تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ.
قَوْلُهُ: (فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ بِمَكَّةَ. وَقَوْلُهُ: تُرِكَتْ أَيْ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الزَّائِدِ، بِخِلَافِ صَلَاةِ الْحَضَرِ فَإِنَّهَا زِيدَتْ فِي ثَلَاثٍ مِنْهَا رَكْعَتَانِ، فَالْمَعْنَى: أُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ عَلَى جَوَازِ الْإِتْمَامِ وَإِنْ كَانَ الْأَحَبُّ الْقَصْرَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِشْكَالِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ) وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ فَيَّاضِ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ: أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ كَانَتْ بَعْدَ قُدُومِ النَّبِيِّ ﷺ الْمَدِينَةَ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ، قَالَ: وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي ذَلِكَ.
٤٩ - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَمَرْثِيَتِهِ لِمَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ
٣٩٣٦ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: عَادَنِي النَّبِيُّ ﷺ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ مَرَضٍ أَشْفَيْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَ بِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَأَتَصَدَّقُ بِشَطْرِهِ؟ قَالَ: الثُّلُثُ يَا سَعْدُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ ورثتك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ - قال أحمد بن يونس عن إبراهيم: أن تذر ذريتك - وَلَسْتَ بِنَافِقٍ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهة اللَّهِ إِلَّا آجَرَكَ اللَّهُ بِهَا، حَتَّى اللُّقْمَةَ تَجْعَلُهَا فِي فِي امْرَأَتِكَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً، وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ، لَكِنْ الْبَائِسُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ. يَرْثِي لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، وَمُوسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ، وَمَرْثِيَتُهُ لِمَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ) بِتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلٍ. وَالْمَرْثِيَةُ تَعْدِيدُ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ، وَالْمُرَادُ هُنَا التَّوَجُّعُ لَهُ لِكَوْنِهِ مَاتَ فِي الْبَلَدِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ قَبْلُ بِبَابٍ.
قَوْلُهُ: (وَرَثَتَكَ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ، وَالْقَابِسِيِّ ذُرِّيَّتَكَ، وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى ; لِأَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ قَدْ بَيَّنَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهَا لِغَيْرِ يَحْيَى بْنِ قَزَعَةَ شَيْخِهِ هُنَا.
قَوْلُهُ: (وَلَسْتَ بِنَافِقٍ) كَذَا هُنَا،