وَدَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ يَقْتَضِي أَنَّهُمَا يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ لَعَلَّهُ أَرَادَ إِبْطَالَ وَهَمِ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ خَالَفَ السُّنَّةَ، حَيْثُ مَنَعَ مِنَ الْفَسْخِ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ مُتَوَافِقَانِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْإِتْمَامِ، وَأَنَّ الْفَسْخَ كَانَ خَاصًّا بِتِلْكَ السَّنَةِ لِإِبْطَالِ اعْتِقَادِ الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الْعُمْرَةَ لَا تَصِحُّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، انْتَهَى. وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا: كَانَ قَارِنًا عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ، فَالْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِي كَيْفِيَّةِ التَّمَتُّعِ فِي بَابِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْإِحْرَامِ الْمُبْهَمِ وَأَنَّ الْمُحْرِمَ بِهِ يَصْرِفُهُ لِمَا شَاءَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَ الْوَقْتُ قَابِلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.
٣٣ - بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾، ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ﵄: أَشْهُرُ الْحَجِّ شَوَّالٌ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يُحْرِمَ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ.
وَكَرِهَ عُثْمَانُ ﵁ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كَرْمَانَ.
١٥٦٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ ﵂ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَيَالِي الْحَجِّ وَحُرُمِ الْحَجِّ، فَنَزَلْنَا بِسَرِفَ. قَالَتْ: فَخَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلَا. قَالَتْ: فَالْآخِذُ بِهَا وَالتَّارِكُ لَهَا مِنْ أَصْحَابِهِ. قَالَتْ: فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَرِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَكَانُوا أَهْلَ قُوَّةٍ وَكَانَ مَعَهُمْ الْهَدْيُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْعُمْرَةِ. قَالَتْ: فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَنَا أَبْكِي، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ يَا هَنْتَاهُ؟ قُلْتُ: سَمِعْتُ قَوْلَكَ لِأَصْحَابِكَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ. قَالَ: وَمَا شَأْنُكِ؟ قُلْتُ: لَا أُصَلِّي. قَالَ: فَلَا يَضِيرُكِ، إِنَّمَا أَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكِ مَا كَتَبَ عَلَيْهِنَّ، فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِيهَا. قَالَتْ: فَخَرَجْنَا فِي حَجَّتِهِ حَتَّى قَدِمْنَا مِنًى فَطَهَرْتُ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنْ مِنًى فَأَفَضْتُ بِالْبَيْتِ. قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي النَّفْرِ الْآخِرِ حَتَّى نَزَلَ الْمُحَصَّبَ وَنَزَلْنَا مَعَهُ، فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: اخْرُجْ بِأُخْتِكَ مِنْ الْحَرَمِ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا ثُمَّ ائْتِيَا هَا هُنَا، فَإِنِّي أَنْظُرُكُمَا حَتَّى تَأْتِيَانِي. قَالَتْ: فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ وَفَرَغْتُ مِنْ الطَّوَافِ، ثُمَّ جِئْتُهُ بِسَحَرَ فَقَالَ: هَلْ فَرَغْتُمْ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَآذَنَ بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ، فَمَرَّ مُتَوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ. ضَيْرِ: مِنْ ضَارَ يَضِيرُ ضَيْرًا، وَيُقَالُ: ضَارَ يَضُورُ ضَوْرًا، وَضَرَّ يَضُرُّ ضَرًّا.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ - إِلَى قَوْلِهِ - فِي الْحَجِّ، وَقَوْلِهِ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute