الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ أَمِيرًا أَمَّرَهُ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ غُلَامًا سَفِيهًا يَسْفِكُ الدِّمَاءَ سَفْكًا شَدِيدًا وَفِينَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ لَهُ: انْتَهِ عَمَّا أَرَاكَ تَصْنَعُ، فَقَالَ لَهُ: وَمَا أَنْتَ وَذَاكَ؟ قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَقُلْنَا لَهُ: مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِكَلَامِ هَذَا السَّفِيهِ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ عِنْدِي عِلْمٌ فَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَمُوتَ حَتَّى أَقُولَ بِهِ عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ، ثُمَّ قَامَ فَمَا لَبِثَ أَنْ مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ، فَأَتَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ يَعُودُهُ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ وَقَعَتْ لِلصَّحَابِيَّيْنِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ زَائِدَةُ ذَكَرَهُ هِشَامٌ) هُوَ بِحَذْفٍ قَالَ الثَّانِيَةِ وَالتَّقْدِيرُ: قَالَ الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ: قَالَ زَائِدَةُ: ذَكَرَهُ؛ أَيِ: الْحَدِيثَ الَّذِي سَيَأْتِي هِشَامٌ وَهُوَ ابْنُ حَسَّانَ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنِ الْحُسَيْنِ الْجُعْفِيِّ بِالْعَنْعَنَةِ فِي جَمِيعِ السَّنَدِ، وَحَاصِلُ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهُ أَثْبَتَ الْغِشَّ فِي إِحْدَاهُمَا، وَنَفَى النَّصِيحَةَ فِي الْأُخْرَى فَكَأَنَّهُ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ بِظُلْمِهِ لَهُمْ بِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ أَوْ سَفْكِ دِمَائِهِمْ أَوِ انْتَهَاكِ أَعْرَاضِهِمْ وَحَبْسِ حُقُوقِهِمْ وَتَرْكِ تَعْرِيفِهِمْ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَبِإِهْمَالِ إِقَامَةِ الْحُدُودِ فِيهِمْ، وَرَدْعِ الْمُفْسِدِينَ مِنْهُمْ وَتَرْكِ حِمَايَتِهِمْ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ لَهُ مَعْقِلٌ أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا) قَدْ ذَكَرْتُ زِيَادَةَ أَبِي الْمَلِيحِ عِنْدَ مُسْلِمٍ.
قَوْلُهُ: (مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَخْ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْمَلِيحِ: مَا مِنْ أَمِيرٍ بَدَلَ وَالٍ وَقَالَ فِيهِ ثُمَّ لَا يَجِدُّ لَهُ بِجِيمٍ وَدَالٍ مُشَدَّدَةٍ مِنَ الْجِدِّ بِالْكَسْرِ ضِدِّ الْهَزْلِ، وَقَالَ فِيهِ إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ: فَلَمْ يَعْدِلْ فِيهِمْ إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي النَّارِ قَالَ ابْنُ التِّينِ: يَلِي جَاءَ عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ مَاضِيَهِ وَلِيَ بِالْكَسْرِ وَمُسْتَقْبَلُهُ يَوْلِي بِالْفَتْحِ وَهُوَ مِثْلُ وَرِثَ يَرِثُ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ عَلَى أَئِمَّةِ الْجَوْرِ، فَمَنْ ضَيَّعَ مَنِ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ أَوْ خَانَهُمْ أَوْ ظَلَمَهُمْ فَقَدْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ الطَّلَبُ بِمَظَالِمِ الْعِبَادِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكَيْفَ يَقْدِرُ عَلَى التَّحَلُّلِ مِنْ ظُلْمِ أُمَّةٍ عَظِيمَةٍ وَمَعْنَى حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أَيْ أَنْفَذَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْوَعِيدَ وَلَمْ يَرْضَ عَنْهُ الْمَظْلُومِينَ. وَنَقَلَ ابْنُ التِّينِ، عَنِ الدَّاوُدِيِّ نَحْوَهُ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي حَقِّ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ نَصِيحَةٍ. قُلْتُ: وَهُوَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ جِدًّا، وَالتَّعْلِيلُ مَرْدُودٌ، فَالْكَافِرُ أَيْضًا قَدْ يَكُونُ نَاصِحًا فِيمَا تَوَلَّاهُ وَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ الْكُفْرُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يُحْمَلُ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَحِلِّ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ الزَّجْرُ وَالتَّغْلِيظُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِلَفْظِ: لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ وَهُوَ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ: فَلَمْ يَحُطَّهَا وَفِي قَوْلِهِ فَيَمُوتُ مِثْلُ اللَّامِ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ غَاشٌّ؛ قَيْدٌ لِلْفِعْلِ مَقْصُودٌ بِالذِّكْرِ يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ إِنَّمَا وَلَّاهُ عَلَى عِبَادِهِ لِيُدِيمَ لَهُمُ النَّصِيحَةَ لَا لِيَغُشَّهُمْ حَتَّى يَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا قَلَبَ الْقَضِيَّةَ اسْتَحَقَّ أَنْ يُعَاقَبَ.
٩ - بَاب مَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ
٧١٥٢ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ طَرِيفٍ أَبِي تَمِيمَةَ، قَالَ: شَهِدْتُ صَفْوَانَ، وَجُنْدَبًا وَأَصْحَابَهُ وَهُوَ يُوصِيهِمْ فَقَالُوا: هَلْ سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ: وَمَنْ شاق شقق اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. فَقَالُوا: أَوْصِنَا. فَقَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا ينْتَنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute