للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْأَزْمِنَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ لِلتَّعَلُّمِ مِنْهُ، وَفِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِمْ لِلِاقْتِدَاءِ بِهَدْيِهِمْ، وَمِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لِزِيَارَةِ قَبْرِهِ وَالصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِهِ (١) وَالتَّبَرُّكُ بِمُشَاهَدَةِ آثَارِهِ وَآثَارِ أَصْحَابِهِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: كَانَ هَذَا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ وَالْقَرْنِ الَّذِي كَانَ مِنْهُمْ وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ خَاصَّةً. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَسَلَامَتِهِمْ مِنَ الْبِدَعِ وَأَنَّ عَمَلَهُمْ حُجَّةٌ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ. اهـ. وَهَذَا إِنْ سَلِمَ اخْتُصَّ بِعَصْرِ النَّبِيِّ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَأَمَّا بَعْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ وَانْتِشَارِ الصَّحَابَةِ فِي الْبِلَادِ، وَلَا سِيَّمَا فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ الثَّانِيَةِ وَهَلُمَّ جَرًّا، فَهُوَ بِالْمُشَاهَدَةِ بِخِلَافِ ذَلِكَ.

٧ - بَاب إِثْمِ مَنْ كَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ

١٨٧٧ - حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ، عَنْ جُعَيْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ هِيَ بِنْتُ سَعْدٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ سَعْدًا قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ يَقُولُ: لَا يَكِيدُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ إِلَّا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ إِثْمِ مَنْ كَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ) أَيْ: أَرَادَ بِأَهْلِهَا سُوءًا، وَالْكَيْدُ الْمَكْرُ وَالْحِيلَةُ فِي الْمَسَاءَةِ.

قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ) هُوَ ابْنُ مُوسَى، وَالْجُعَيْدُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ سَعْدٍ أَيْ: ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، (قَالَتْ: سَمِعْتُ سَعْدًا) تَعْنِي أَبَاهَا.

قَوْلُهُ: (إِلَّا انْمَاعَ) أَيْ: ذَابَ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقَرَّاظِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَعْدٍ جَمِيعًا، فَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ: مَنْ أَرَادَ أَهْلَهَا بِسُوءٍ أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ وَفِي هَذِهِ الطَّرِيقِ تَعَقُّبٌ عَلَى الْقُطْبِ الْحَلَبِيِّ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ، نَعَمْ فِي أَفْرَادِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ: وَلَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ إِلَّا أَذَابَهُ اللَّهُ فِي النَّارِ ذَوْبَ الرَّصَاصِ، أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ قَالَ عِيَاضٌ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ تَدْفَعُ إِشْكَالَ الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ، وَتُوَضِّحُ أَنَّ هَذَا حُكْمُهُ فِي الْآخِرَةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ أَرَادَهَا فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ بِسُوءٍ اضْمَحَلَّ أَمْرُهُ كَمَا يَضْمَحِلُّ الرَّصَاصُ فِي النَّارِ، فَيَكُونُ فِي اللَّفْظِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ: أَوْ ذَوْبَ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لِمَنْ أَرَادَهَا فِي الدُّنْيَا بِسُوءٍ، وَأَنَّهُ لَا يُمْهَلُ بَلْ يَذْهَبُ سُلْطَانُهُ عَنْ قُرْبٍ كَمَا وَقَعَ لِمُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ عُوجِلَ عَنْ قُرْبٍ، وَكَذَلِكَ الَّذِي أَرْسَلَهُ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ كَادَهَا اغْتِيَالًا وَطَلَبًا لِغِرَّتِهَا فِي غَفْلَةٍ فَلَا يَتِمُّ لَهُ أَمْرٌ، بِخِلَافِ مَنْ أَتَى ذَلِكَ جِهَارًا كَمَا اسْتَبَاحَهَا مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ رَفَعَهُ: مَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ ظَالِمًا لَهُمْ أَخَافَهُ اللَّهُ، وَكَانَتْ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ الْحَدِيثَ. وَلِابْنِ حِبَّانَ نَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.

٨ - بَاب آطَامِ الْمَدِينَةِ

١٨٧٨ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، سَمِعْتُ أُسَامَةَ قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى، إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ، تَابَعَهُ مَعْمَرٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ.

[الحديث ١٨٧٨ - أطرافه في ٢٤٦٧، ٣٥٩٧، ٧٠٦٠]


(١) كان وجه تقديم الصلاة في المسجد ليوافق كلامه النصوص