صَبِيحَةَ يَوْمِ الْفِطْرِ تَرَكَ الدُّعَاءَ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ فَقَالَ: أَوَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُمْ قَدِمُوا؟ قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَذْكُرُهُمْ انْفَتَحَ عَلَيْهِمُ الطَّرِيقُ يَسُوقُ بِهِمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَدْ نَكَتَ إِصْبَعُهُ بِالْحَرَّةِ، وَسَاقَ بِهِمْ ثَلَاثًا عَلَى قَدَمَيْهِ، فَنَهَجَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ ﷺ حَتَّى قَضَى، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: هَذَا الشَّهِيدُ، أَنَا عَلَى هَذَا شَهِيدٌ وَرَثَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ ﷺ بِأَبْيَاتٍ مَشْهُورَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَسَلَمَةُ بْنُ هِشَامٍ) أَيِ: ابْنِ الْمُغِيرَةِ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ الَّذِي قَبْلَهُ، وَهُوَ أَخُو أَبِي جَهْلٍ، وَكَانَ مِنَ السَّابِقِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ. وَاسْتُشْهِدَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّامِ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ.
قَوْلُهُ: (وَعَيَّاشَ) هُوَ بِالتَّحْتَانِيَّةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ، وَأَبُوهُ أَبُو رَبِيعَةَ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ الْمُغِيرَةِ فَهُوَ عَمُّ الَّذِي قَبْلَهُ أَيْضًا، وَكَانَ مِنَ السَّابِقِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ أَيْضًا وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ، ثُمَّ خَدَعَهُ أَبُو جَهْلٍ فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فَحَبَسَهُ، ثُمَّ فَرَّ مَعَ رَفِيقَيْهِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَعَاشَ إِلَى خِلَافَةِ عُمَرَ، فَمَاتَ كَانَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (وَكَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ) كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُدَاوِمُ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا، لِأَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ) وَقَعَ تَسْمِيَتُهُمْ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ: اللَّهُمَّ الْعَنْ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ تَقَدَّمَ اسْتِشْكَالُهُ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَأَنَّ قِصَّةَ رِعْلٍ وَذَكْوَانَ كَانَتْ عِنْدَ أُحُدٍ، وَنُزُولَ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ كَانَ فِي قِصَّةِ أُحُدٍ، فَكَيْفَ يَتَأَخَّرُ السَّبَبُ عَنِ النُّزُولِ؟ ثُمَّ ظَهَرَ لِي عِلَّةُ الْخَبَرِ وَأَنَّ فِيهِ إِدْرَاجًا، وَأَنَّ قَوْلَهُ: حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ مُنْقَطِعٌ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَمَّنْ بَلَغَهُ، بَيَّنَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ هُنَا: قَالَ - يَعْنِي الزُّهْرِيَّ -: ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا نَزَلَتْ، وَهَذَا الْبَلَاغُ لَا يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْتُهُ، وَقَدْ وَرَدَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ شَيْءٌ آخَرُ، لَكِنَّهُ لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ، بِخِلَافِ قِصَّةِ رِعْلٍ وَذَكْوَانَ، فَعِنْدَ أَحْمَدَ، وَمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ، وَشُجَّ وَجْهُهُ حَتَّى سَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ الْآيَةَ. وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ ﷺ دَعَا عَلَى الْمَذْكُورِينَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي صَلَاتِهِ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا، فِيمَا وَقَعَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ، وَفِيمَا نَشَأَ عَنْهُ مِنَ الدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِي أُحُدٍ، بِخِلَافِ قِصَّةِ رِعْلٍ وَذَكْوَانَ؛ فَإِنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ قِصَّتَهُمْ كَانَتْ عَقِبَ ذَلِكَ وَتَأَخَّرَ نُزُولُ الْآيَةِ عَنْ سَبَبِهَا قَلِيلًا، ثُمَّ نَزَلَتْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٠ - باب ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ وَهْوَ تَأْنِيثُ آخِرِكُمْ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ فَتْحًا أَوْ شَهَادَةً
٤٥٦١ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ ﵄ قَالَ: جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ، وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ: إِذْ يَدْعُوهُمْ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ، وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ﴾ وَهُوَ تَأْنِيثُ آخِرِكُمْ) كَذَا وَقَعَ فِيهِ، وَهُوَ تَابِعٌ لِأَبِي عُبَيْدَةَ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: أُخْرَاكُمْ آخِرِكُمْ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ أُخْرَى تَأْنِيثُ آخَرَ بِفَتْحِ الْخَاءِ لَا كَسْرِهَا، وَقَدْ حَكَى الْفَرَّاءُ أَنَّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: فِي أُخْرَاتِكُمْ، بِزِيَادَةِ الْمُثَنَّاةِ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ؛ فَتْحًا أَوْ شَهَادَةً) كَذَا وَقَعَ هَذَا التَّعْلِيقُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، وَمَحَلُّهُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٍ، وَلَعَلَّهُ أَوْرَدَهُ هُنَا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَقَعَتْ فِي أُحُدٍ