للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَدَلَّتْ آيَةُ النِّسَاءِ عَلَى أَنَّ اسْتِبَاحَةَ الْجُنُبِ لِلصَّلَاةِ - وَكَذَا اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ - يَتَوَقَّفُ عَلَى الِاغْتِسَالِ، وَحَقِيقَةُ الِاغْتِسَالِ غَسْلُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ مَعَ تَمْيِيزِ مَا لِلْعِبَادَةِ عَمَّا لِلْعَادَةِ بِالنِّيَّةِ.

١ - بَاب الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ

٢٤٨ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ، هِشَامِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ، فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعَرِهِ، ثُمَّ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ.

[الحديث ٢٤٨ - طرفاه في: ٢٧٢، ٢٦٢]

قَوْلُهُ: (بَابُ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ) أَيِ اسْتِحْبَابِهِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀ فِي الْأُمِّ: فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْغُسْلَ مُطْلَقًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ شَيْءٍ، فَكَيْفَمَا جَاءَ بِهِ الْمُغْتَسِلُ أَجْزَأَهُ إِذَا أَتَى بِغَسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهِ. وَالِاخْتِيَارُ فِي الْغُسْلِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ رَوَى حَدِيثَ الْبَابِ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ، وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأِ كَذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ مِنْ أَحْسَنِ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ، قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ وَهُوَ ابْنُ عُرْوَةَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ غَيْرُ مَالِكٍ كَمَا سَنُشِيرُ إِلَيْهِ.

قَوْلُهُ: (كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ) أَيْ شَرَعَ فِي الْفِعْلِ، وَمِنْ فِي قَوْلِهِ مِنَ الْجَنَابَةِ سَبَبِيَّةٌ.

قَوْلُهُ: (بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَسْلُهُمَا لِلتَّنْظِيفِ مِمَّا بِهِمَا مِنْ مُسْتَقْذَرٍ، وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ تَقْوِيَةُ ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْغَسْلُ الْمَشْرُوعُ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ زِيَادَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هِشَامٍ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَزَادَ أَيْضًا ثُمَّ يَغْسِلُ فَرْجَهُ، وَكَذَا لِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ، وَهِيَ زِيَادَةٌ جَلِيلَةٌ ; لِأَنَّ بِتَقْدِيمِ غَسْلِهِ يَحْصُلُ الْأَمْنُ مِنْ مَسِّهِ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ.

قَوْلُهُ: (كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ) فِيهِ احْتِرَازٌ عَنِ الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ بِالْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ سُنَّةً مُسْتَقِلَّةً بِحَيْثُ يَجِبُ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مَعَ بَقِيَّةِ الْجَسَدِ فِي الْغُسْلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِغَسْلِهَا فِي الْوُضُوءِ عَنْ إِعَادَتِهِ، وَعَلَى هَذَا فَيَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي أَوَّلِ عُضْوٍ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ غَسْلَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ تَشْرِيفًا لَهَا وَلِتَحْصُلَ لَهُ صُورَةُ الطَّهَارَتَيْنِ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى، وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الدَّاوُدِيُّ شَارِحُ الْمُخْتَصَرِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ: يُقَدِّمُ غَسْلَ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ عَلَى تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ، لَكِنْ بِنِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ.

وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ مَعَ الْغُسْلِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ، فَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو ثَوْرٍ، وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَنُوبُ عَنِ الْوُضُوءِ لِلْمُحْدِثِ.

قَوْلُهُ: (فَيُخَلِّلُ بِهَا) أَيْ بِأَصَابِعِهِ الَّتِي أَدْخَلَهَا فِي الْمَاءِ، وَلِمُسْلِمٍ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُيَيْنَةَ ثُمَّ يُشَرِّبُ شَعْرَهُ الْمَاءَ.

قَوْلُهُ: (أُصُولَ الشَّعْرِ) وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ أُصُولُ شَعْرِهِ أَيْ شَعْرِ رَأْسِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ يُخَلِّلُ بِهَا شِقَّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنَ فَيُتْبِعُ بِهَا أُصُولَ الشَّعْرِ، ثُمَّ يَفْعَلُ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْسَرِ كَذَلِكَ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: احْتَجَّ بِهِ بَعْضُهُمْ عَلَى تَخْلِيلِ شَعْرِ الْجَسَدِ فِي الْغُسْلِ إِمَّا لِعُمُومِ قَوْلِهِ: أُصُولَ الشَّعْرِ، وَإِمَّا بِالْقِيَاسِ عَلَى شَعْرِ الرَّأْسِ.

وَفَائِدَةُ التَّخْلِيلِ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ، وَمُبَاشَرَةُ الشَّعْرِ بِالْيَدِ لِيَحْصُلَ تَعْمِيمُهُ بِالْمَاءِ، وَتَأْنِيسُ الْبَشَرَةِ لِئَلَّا يُصِيبَهَا بِالصَّبِّ مَا تَتَأَذَّى بِهِ، ثُمَّ هَذَا التَّخْلِيلُ غَيْرُ وَاجِبٍ اتِّفَاقًا إِلَّا إِنْ كَانَ الشَّعْرُ مُلَبَّدًا بِشَيْءٍ يَحُولُ بَيْنَ الْمَاءِ وَبَيْنَ الْوُصُولِ إِلَى أُصُولِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: