بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ لَمَّا هَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى خَيْلِ الطَّلَبِ أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيَّ وَأَنَا مَعَهُ فَقَتَلَ ابْنُ دُرَيْدٍ، أَبَا عَامِرٍ، فَعَدَلْتُ إِلَيْهِ فَقَتَلْتُهُ وَأَخَذْتُ اللِّوَاءَ الْحَدِيثَ. فَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي أَيْضًا أَنَّ أَبَا عَامِرٍ لَقِيَ يَوْمَ أَوْطَاسٍ عَشَرَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِخْوَةً فَقَتَلَهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحَدٍ، حَتَّى كَانَ الْعَاشِرُ فَحَمَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَدْعُوهُ إِلَى الْإِسْلَامِ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِ، فَقَالَ الرَّجُلُ: اللَّهُمَّ لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ، فَكَفَّ عَنْهُ أَبُو عَامِرٍ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ أَسْلَمَ فَقَتَلَهُ الْعَاشِرُ، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، فَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُسَمِّيهِ شَهِيدُ أَبِي عَامِرٍ، وَهَذَا يُخَالِفُ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ فِي أَنَّ أَبَا مُوسَى قَتَلَ قَاتِلَ أَبِي عَامِرٍ، وَمَا فِي الصَّحِيحِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ، وَلَعَلَّ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ شَارَكَ فِي قَتْلِهِ.
قَوْلُهُ: (فَنَزَا مِنْهُ الْمَاءُ) أَيِ انْصَبَّ مِنْ مَوْضِعِ السَّهْمِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي) هَذَا يَرُدُّ قَوْلَ ابْنِ إِسْحَاقَ إِنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ، وَيُحْتَمَلُ - إِنْ كَانَ ضَبَطَهُ - أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَانَ أَسَنَّ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (فَرَجَعْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَائِذٍ فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَعِي اللِّوَاءُ قَالَ: يَا أَبَا مُوسَى قُتِلَ أَبُو عَامِرٍ.
قَوْلُهُ: (عَلَى سَرِيرٍ مُرَمَّلٍ) بِرَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ مِيمٍ ثَقِيلَةٍ، أَيْ مَعْمُولٍ بِالرِّمَالِ، وَهِيَ حِبَالُ الْحُصْرِ الَّتِي تُضَفَّرُ بِهَا الْأَسِرَّةُ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ) قَالَ ابْنُ التِّينِ: أَنْكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ وَقَالَ: الصَّوَابُ: مَا عَلَيْهِ فِرَاشٌ، فَسَقَطَتْ مَا انْتَهَى. وَهُوَ إِنْكَارٌ عَجِيبٌ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ رَقَدَ عَلَى غَيْرِ فِرَاشٍ كَمَا فِي قِصَّةِ عُمَرَ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى سَرِيرِهِ دَائِمًا فِرَاشٌ.
قَوْلُهُ: (فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ) يُسْتَفَادُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ التَّطْهِيرِ لِإِرَادَةِ الدُّعَاءِ، وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّ ذَلِكَ بِالِاسْتِسْقَاءِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ.
قَوْلُهُ: (فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ) أَيْ فِي الْمَرْتَبَةِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عَائِذٍ فِي الْأَكْثَرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ أَبُو بُرْدَةَ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ.
٥٦ - بَاب. غَزْوَةِ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ. قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ
٤٣٢٤ - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، سَمِعَ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ ابنة أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ ﵂: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ وَعِنْدِي مُخَنَّثٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الطَّائِفَ غَدًا فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلَانَ؛ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ؛ فقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا يَدْخُلَنَّ هَؤُلَاءِ عَلَيْكُنَّ. قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: الْمُخَنَّثُ هِيتٌ.
حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا وَزَادَ: وَهُوَ مُحَاصِرُ الطَّائِفِ يَوْمَئِذٍ.
[الحديث ٤٢٢٤ - طرفاه في: ٥٢٣٥، ٥٨٨٧]
قَوْلُهُ: (بَابُ غَزْوَةِ الطَّائِفِ) هُوَ بَلَدٌ كَبِيرٌ مَشْهُورٌ، كَثِيرُ الْأَعْنَابِ وَالنَّخِيلِ، عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ أَوِ اثْنَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ، قِيلَ: أَصْلُهَا أَنَّ جِبْرِيلَ ﵇ اقْتَلَعَ الْجَنَّةَ الَّتِي كَانَتْ لِأَصْحَابِ الصَّرِيمِ فَسَارَ بِهَا إِلَى مَكَّةَ، فَطَافَ بِهَا حَوْلَ الْبَيْتِ، ثُمَّ أَنْزَلَهَا حَيْثُ الطَّائِفِ فَسُمِّيَ الْمَوْضِعُ بِهَا، وَكَانَتْ أَوَّلًا بِنَوَاحِي صَنْعَاءَ، وَاسْمُ الْأَرْضِ وَجٌّ بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ، سُمِّيَتْ بِرَجُلٍ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ الْجِنِّ مِنَ الْعَمَالِقَةِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ نَزَلَ بِهَا. وَسَارَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَيْهَا بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ حُنَيْنٍ وَحَبَسَ الْغَنَائِمَ بَالْجِعْرَانَةِ، وَكَانَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّضْرِيُّ قَائِدَ هَوَازِنَ لَمَّا انْهَزَمَ دَخَلَ الطَّائِفَ وَكَانَ