فِي رِوَايَةِ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَكَانَ مُسْتَرْضَعًا فِيهِمْ - فَقَالَ: أَنَا وَافِدُ قَوْمِي وَرَسُولُهُمْ وَعِنْدَ أَحْمَدَ، وَالْحَاكِمِ: بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَدِمَ عَلَيْنَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. فَقَوْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقَدِمَ عَلَيْنَا يَدُلُّ عَلَى تَأْخِيرِ وِفَادَتِهِ أَيْضًا ; لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إِنَّمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ. وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ قَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهن وَلَا أَنْقُصُ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَئِنْ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ وَكَذَا هِيَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ. وَوَقَعَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهِيَ الْحَامِلَةُ لِمَنْ سَمَّى الْمُبْهَمَ فِي حَدِيثِ طَلْحَةَ، ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ، كَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْقُرْطُبِيَّ مَالَ إِلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا قَبْلُ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّ ضِمَامًا قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ: فَأَمَّا هَذِهِ الْهَنَاةُ فَوَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَنَتَنَزَّهُ عَنْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْنِي الْفَوَاحِشَ. فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ ﷺ. فَقُهَ الرَّجُلُ.
قَالَ: وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مَسْأَلَةً وَلَا أَوْجَزَ مِنْ ضِمَامٍ. وَوَقَعَ فِي آخِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ مَجِيءُ ضِمَامٍ مُسْتَثْبِتًا لِأَنَّهُ قَصَدَ اللِّقَاءَ وَالْمُشَافَهَةَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ الْحَاكِمِ، وَقَدْ رَجَعَ ضِمَامٌ إِلَى قَوْمِهِ وَحْدَهُ فَصَدَّقُوهُ وَآمَنُوا كَمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَفِيهِ نِسْبَةُ الشَّخْصِ إِلَى جَدِّهِ إِذَا كَانَ أَشْهَرَ مِنْ أَبِيهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ ﷺ يَوْمَ حُنَيْنٍ: أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. وَفِيهِ الِاسْتِحْلَافُ عَلَى الْأَمْرِ الْمُحَقَّقِ لِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ، وَفِيهِ رِوَايَةُ الْأَقْرَانِ لِأَنَّ سَعِيدًا، وَشَرِيكًا تَابِعِيَّانِ مِنْ دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُمَا مَدَنِيَّانِ.
قَوْلُهُ: (رَوَاهُ مُوسَى) هُوَ ابْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو سَلَمَةَ التَّبُوذَكِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ، وَحَدِيثُهُ مَوْصُولٌ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَعِنْدَ ابْنِ مَنْدَهْ فِي الْإِيمَانِ، وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَجَّ بِشَيْخِهِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَقَدْ خُولِفَ فِي وَصْلِهِ فَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ مُرْسَلًا، وَرَجَّحَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ، وَزَعَمَ أَنَّهَا عِلَّةٌ تَمْنَعُ مِنْ تَصْحِيحِ الْحَدِيثِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ لِحَدِيثِ شَرِيكٍ أَصْلًا.
قَوْلُهُ: (وَعَلِيُّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ) هُوَ الْمَعْنِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ بَعْدَهَا يَاءُ النَّسَبِ، وَحَدِيثُهُ مَوْصُولٌ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَخْرَجَهُ عَنِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ الْمُعَلَّقِ.
قَوْلُهُ: (بِهَذَا) أَيْ: هَذَا الْمَعْنَى، وَإِلَّا فَاللَّفْظُ كَمَا بَيَّنَّا مُخْتَلِفٌ. وَسَقَطَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْوَقْتِ، وَابْنِ عَسَاكِرَ. وَاللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْبَغْدَادِيَّةِ - الَّتِي صَحَّحَهَا الْعَلَّامَةُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الصَّغَانِيِّ اللُّغَوِيُّ بَعْدَ أَنْ سَمِعَهَا مِنْ أَصْحَابِ أَبِي الْوَقْتِ وَقَابَلَهَا عَلَى عِدَّةِ نُسَخٍ وَجَعَلَ لَهَا عَلَامَاتٍ عَقِبَ قَوْلِهِ رَوَاهُ مُوسَى، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ مَا نَصُّهُ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ. وَقَالَ الصَّغَانِيُّ فِي الْهَامِشِ: هَذَا الْحَدِيثُ سَاقِطٌ مِنَ النُّسَخِ كُلِّهَا إِلَّا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي قُرِئَتْ عَلَى الْفَرَبْرِيِّ صَاحِبِ الْبُخَارِيِّ وَعَلَيْهَا خَطُّهُ. قُلْتُ: وَكَذَا سَقَطَتْ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
٧ - بَاب مَا يُذْكَرُ فِي الْمُنَاوَلَةِ وَكِتَابِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعِلْمِ إِلَى الْبُلْدَانِ
وَقَالَ أَنَسُ: نَسَخَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْمَصَاحِفَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَى الْآفَاقِ وَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَمَالِكُ ذَلِكَ جَائِزًا وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي الْمُنَاوَلَةِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ حَيْثُ كَتَبَ لِأَمِيرِ السَّرِيَّةِ كِتَابًا وَقال:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute