عَمَلٌ آخَرُ، لَكِنْ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ الْحَجِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ بَابِ الصَّفَا.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ) تَقَدَّمَ أَنَّ سَبَبَ عَدَمِ إِحْلَالِهِ كَوْنُهُ سَاقَ الْهَدْيَ، وَإِلَّا لَكَانَ يَفْسَخُ الْحَجَّ إِلَى الْعُمْرَةِ وَيَتَحَلَّلُ مِنْهَا كَمَا أَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّحَلُّلَ لَا يَقَعُ بِمُجَرَّدِ طَوَافِ الْقُدُومِ خِلَافًا لِابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ وَاضِحٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ) إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ خُصُوصِيَّتِهِ بِذَلِكَ.
وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ طَوَافِ الْقُدُومِ لِلْقَارِنِ وَالرَّمَلِ فِيهِ إِنْ عَقَّبَهُ بِالسَّعْيِ، وَتَسْمِيَةُ السَّعْيِ طَوَافًا، وَطَوَافُ الْإِفَاضَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ لَيْسَ بِرُكْنٍ، وَلَيْسَ بِوَاضِحٍ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ ذِكْرِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَكُونَ وَقَعَ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ.
(تَنْبِيهٌ): وَقَعَ بَيْنَ قَوْلِهِ وَفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النَّاسِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَقْتِ لَفْظُ بَابٍ وَقَالَ فِيهِ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ إِلَخْ وَهُوَ خَطَأٌ شَنِيعٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ مَنْ أَهْدَى فَاعِلُ قَوْلِهِ وَفَعَلَ فَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِلَفْظِ بَابٍ خَطَأٌ وَيَصِيرُ فَاعِلُ فَعَلَ مَحْذُوفًا، وَأَغْرَبَ الْكِرْمَانِيُّ فَشَرَحَهُ عَلَى أَنَّ فَاعِلَ فَعَلَ هُوَ ابْنُ عُمَرَ رَاوِي الْخَبَرِ وَأَمَّا أَبُو نُعَيْمٍ فِي: الْمُسْتَخْرَجِ فَسَاقَ الْحَدِيثَ بِتَمَامِهِ إِلَخْ ثُمَّ أَعَادَ هَذَا اللَّفْظَ بِتَرْجَمَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَسَاقَ حَدِيثَ عَائِشَةَ بِالْإِسْنَادِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ وَهَذَا غَرِيبٌ (١) وَالْأَصْوَبُ مَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ بَعْدَ قَوْلِهِ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَاصِلَةٌ صُورَتُهَا (.) وَبَعْدَهَا مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النَّاسِ وَعَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ. قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: أَمَرَنَا أَبُو ذَرٍّ أَنَّ نَضْرِبَ عَلَى هَذِهِ التَّرْجَمَةِ يَعْنِي قَوْلَهُ مَنْ أَهْدَى وَسَاقَ الْهَدْيَ مِنَ النَّاسِ. انْتَهَى. وَهُوَ عَجِيبٌ مِنْ أَبِي الْوَلِيدِ وَمِنْ شَيْخِهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ مَنْ أَهْدَى هُوَ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ وَفَعَلَ وَلَكِنَّهُمَا ظَنَّا أَنَّهَا تَرْجَمَةٌ فَحَكَمَا عَلَيْهَا بِالْوَهْمِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ فَسَاقَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ إِلَى قَوْلِهِ مِنَ النَّاسِ ثُمَّ أَعَادَ الْإِسْنَادَ بِعَيْنِهِ إِلَى عَائِشَةَ قَالَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي تَمَتُّعِهِ بِالْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ تَعَقَّبَ الْمُهَلَّبُ قَوْلَ الزُّهْرِيِّ بِمِثْلِ الَّذِي أَخْبَرَنِي سَالِمٌ فَقَالَ: يَعْنِي مِثْلَهُ فِي الْوَهْمِ لِأَنَّ أَحَادِيثَ عَائِشَةَ كُلَّهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّهُ حَجَّ مُفْرِدًا. قُلْتُ: وَلَيْسَ وَهْمًا إِذْ لَا مانِعَ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِمِثْلِ مَا جَمَعْنَا بِهِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْإِفْرَادِ فِي حَدِيثِهَا الْبُدَاءَةُ بِالْحَجِّ وَبِالتَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِدْخَالَهَا عَلَى الْحَجِّ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَوْهِيمِ جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ الْحِفْظِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
١٠٥ - بَاب مَنْ اشْتَرَى الْهَدْيَ مِنْ الطَّرِيقِ
١٦٩٣ - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ﵃ لِأَبِيهِ: أَقِمْ فَإِنِّي لَا آمَنُهَا أَنْ تُصَدّ عَنْ الْبَيْتِ. قَالَ: إِذن أَفْعَلُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ فَأَنَا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عَلَى نَفْسِي الْعُمْرَةَ، فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ. قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَقَالَ: مَا شَأْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِلَّا وَاحِدٌ ثُمَّ اشْتَرَى الْهَدْيَ مِنْ قُدَيْدٍ ثُمَّ قَدِمَ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا فَلَمْ يَحِلَّ حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا.
(١) في نسخة "قريب"
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute