الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مَقْصُودِ الْبَابِ مِنْ جَوَازِ قَتْلِ الْحَيَّةِ لِلْمُحْرِمِ، كَمَا دل قَوْلُهُ: بِمِنًى عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْحَرَمِ، وَعُرِفَ بِذَلِكَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ لَيْسَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّةِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَاللَّفْظُ لَهُ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ مُخْتَصَرًا، وَلَفْظُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ مُحْرِمًا بِقَتْلِ حَيَّةٍ فِي الْحَرَمِ بِمِنًى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْوَقْتِ عَقِبَ حَدِيثِ الْبَابِ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ الْمُصَنِّفُ: إِنَّمَا أَرَدْنَا بِهَذَا أَنَّ مِنًى مِنَ الْحَرَمِ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا بِقَتْلِ الْحَيَّةِ - يَعْنِي فِيهِ - بَأْسًا، وَوَقَعَ هَذَا الْكَلَامُ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ فِي آخِرِ الْبَابِ، وَمَحَلُّهُ عَقِبَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
قَوْلُهُ: (رَطْبٌ) أَيْ: لَمْ يَجِفَّ رِيقُهُ بِهَا.
قَوْلُهُ: (كَمَا وُقِيتُمْ شَرَّهَا) بِالنَّصْبِ؛ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وُقِيَتْ شَرَّكُمْ أَيْ أَنَّ اللَّهَ سَلَّمَهَا مِنْكُمْ كَمَا سَلَّمَكُمْ مِنْهَا، وَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْمُقَابَلَةِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ قَتْلَ الْحَيَّةِ، وَتُعُقِّبَ بِمَا تَقَدَّمَ عَنِ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ وَبِمَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِنِ اسْتِثْنَاءِ مَا صَغُرَ مِنْهَا بِحَيْثُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْأَذَى.
(الحديث الرابع) قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ.
قَوْلُهُ: (قَالَ لِلْوَزَغِ: فُوَيْسِقٌ) اللَّامُ بِمَعْنَى عَنْ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَمَّاهُ فُوَيْسِقًا، وَهُوَ تَصْغِيرُ تَحْقِيرٍ مُبَالَغَةً فِي الذَّمِّ.
قَوْلُهُ: (وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَمَرَ بِقَتْلِهِ) هُوَ مَقُولٌ عَنْ عَائِشَةَ وَالضَّمِيرُ لِلنَّبِيِّ ﷺ، وَقَضِيَّةُ تَسْمِيَتِهِ إِيَّاهُ فُوَيْسِقًا أَنْ يَكُونَ قَتْلُهُ مُبَاحًا، وَكَوْنُهَا لَمْ تَسْمَعْهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ فَقَدْ سَمِعَهُ غَيْرُهَا كَمَا سَيَأْتِي فِي بَدْءِ الْخَلْقِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ قَتْلِهِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَغَيْرُهُ، عَنْ مَالِكٍ: لَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ الْوَزَغَ، زَادَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ قَتَلَهُ يَتَصَدَّقْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْخَمْسِ الْمَأْمُورِ بِقَتْلِهَا. وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عَطَاءً سُئِلَ عَنْ قَتْلِ الْوَزَغِ فِي الْحَرَمِ فَقَالَ: إِذَا آذَاكَ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ. وَهَذَا يُفْهِمُ تَوَقُّفَ قَتْلِهِ عَلَى أَذَاهُ.
٨ - بَاب لَا يُعْضَدُ شَجَرُ الْحَرَمِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ
١٨٣٢ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ، أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ - وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ -: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلْغَدِ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ فَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، إِنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ ﷺ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ لَكَ عَمْرٌو؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلَا فَارًّا بِدَمٍ، وَلَا فَارًّا بِخُرْبَةٍ. خُرْبَةٌ بَلِيَّةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute