أُحُدٍ وَشُجَّ وَجْهُهُ، فَجَعَلَ الدَّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَّبُوا وَجْهَ نَبِيِّهِمْ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ. وَأَمَّا حَدِيثُ ثَابِتٍ فَوَصَلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ: كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَأَدْمَوْا وَجْهَهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﷿: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ الْآيَةَ.
وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ هُوَ الَّذِي كَسَرَ رَبَاعِيَةَ النَّبِيِّ ﷺ السُّفْلَى وَجَرَحَ شَفَتَهُ السُّفْلَى، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ شهاب الزهري هو الذي شَجَّهُ فِي جَبْهَتِهِ، وأن عبد الله بن قمئة جَرَحَهُ فِي وَجْنَتِهِ فَدَخَلَتْ حَلْقَتَانِ مِنْ حِلَقِ الْمِغْفَرِ فِي وَجْنَتِهِ، وَأَنَّ مَالِكَ بْنَ سِنَانٍ مَصَّ الدَّمَ مِنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ ازْدَرَدَهُ فَقَالَ: لَنْ تَمَسَّكَ النَّارُ.
وَرَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: فَمَا حَرَصْتُ عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ قَطُّ حِرْصِي عَلَى قَتْلِ أَخِي عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ لِمَا صَنَعَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ، وَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: رَمَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَمِئَةَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ فَشَجَّ وَجْهَهُ وَكَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ، فَقَالَ: خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ قَمِئَةَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ -: مَا لَكَ أَقَمْأَكَ اللَّهُ. فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ تَيْسَ جَبَلٍ فَلَمْ يَزَلْ يَنْطَحُهُ حَتَّى قَطَّعَهُ قِطْعَةً قِطْعَةً، وَأَخْرَجَ ابْنُ عَائِذٍ فِي الْمَغَازِي عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ مُنْقَطِعًا، وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ هَذِهِ الْغَزْوَةِ شَوَاهِدُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ. وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ فِي قِصَّةِ بَدْرٍ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَفَرُّوا، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَةُ النَّبِيِّ ﷺ وَهُشِّمَتِ الْبَيْضَةُ عَلَى رَأْسِهِ وَسَالَ الدَّمُ عَلَى وَجْهِهِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا﴾ الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ بِكَسْرِ الرَّبَاعِيَةِ وَهِيَ السِّنُّ الَّتِي بَيْنَ الثَّنِيَّةِ وَالنَّابِ أَنَّهَا كُسِرَتْ فَذَهَبَ مِنْهَا فَلَقَةٌ وَلَمْ تُقْلَعْ مِنْ أَصْلِهَا.
قَوْلُهُ: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ) هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ.
قَوْلُهُ: (الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا) سَمَّاهُمْ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا.
قَوْلُهُ: (وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ إِلَخْ، وَالرَّاوِي لَهُ عَنْ حَنْظَلَةَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَوَهَمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ. وَقَوْلُهُ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدْعُو إِلَخْ وَهُوَ مُرْسَلٌ، وَالثَّلَاثَةُ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا يَوْمَ الْفَتْحِ، وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، وَأَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، لَكِنْ فِيهِ: اللَّهُمَّ الْعَنْ لِحْيَانَ وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، قَالَ: ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ﴾. قُلْتُ: وَهَذَا إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نُزُولُ الْآيَةِ تَرَاخَى عَنْ قِصَّةِ أُحُدٍ؛ لِأَنَّ قِصَّةَ رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ كَانَتْ بَعْدَهَا كَمَا سَيَأْتِي تِلْوَ هَذِهِ الْغَزْوَةِ، وَفِيهِ بُعْدٌ، وَالصَّوَابُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الَّذِينَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ قِصَّةِ أُحُدٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْآيَةِ: ﴿لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أَيْ: يَقْتُلَهُمْ. ﴿أَوْ يَكْبِتَهُمْ﴾ أَيْ: يُخْزِيَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ أَيْ: فَيُسْلِمُوا. ﴿أَوْ يُعَذِّبَهُمْ﴾ أَيْ: إِنْ مَاتُوا كُفَّارًا.
٢٢ - بَاب ذِكْرِ أُمِّ سَلِيطٍ
٤٠٧١ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ﵁ قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَبَقِيَ مِنْهَا مِرْطٌ جَيِّدٌ، فَقَالَ لَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute