طَاعَةٌ وَالتَّمَادِي وَاجِبٌ وَالْحِنْثُ مَعْصِيَةٌ وَعَكْسُهُ بِالْعَكْسِ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ نَفْلٍ فَيَمِينُهُ أَيْضًا طَاعَةٌ وَالتَّمَادِي مُسْتَحَبٌّ وَالْحِنْثُ مَكْرُوهٌ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكَ مَنْدُوبٍ فَبِعَكْسِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ فَإِنْ كَانَ يَتَجَاذَبُهُ رُجْحَانُ الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَيِّبًا وَلَا يَلْبَسُ نَاعِمًا فَفِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ، وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَوَّبَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ: إِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ التَّمَادِيَ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ ذِكْرَ الْأَهْلِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ يَتَنَاوَلُ غَيْرَ الْأَهْلِ إِذَا وُجِدَتِ الْعِلَّةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَعُرِفَ مَعْنَى الْحَدِيثِ فَمُطَابَقَتُهُ بَعْدَ تَمْهِيدِ تَقْسِيمِ أَحْوَالِ الْحَالِفِ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْيَمِينَ كَأَنْ لَا يَقْصِدَهَا أَوْ يَقْصِدَهَا لَكِنْ يَنْسَى أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا إِثْمَ، وَإِنْ قَصَدَهَا وَانْعَقَدَتْ ثُمَّ رَأَى أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنَ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الْيَمِينِ فَلْيَحْنَثْ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، فَإِنْ تَخَيَّلَ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَرْفَعُ عَنْهُ إِثْمَ الْحِنْثِ فَهُوَ تَخَيُّلٌ مَرْدُودٌ، سَلَّمْنَا لَكِنَّ الْحِنْثَ أَكْثَرُ إِثْمًا مِنَ اللَّجَاجِ فِي تَرْكِ فِعْلِ ذَلِكَ الْخَيْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَلِلْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ الْتِفَاتٌ إِلَى الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتِ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ حَيْثُ جَاءَ فِيهَا ﴿وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا﴾ وَالْمُرَادُ لَا تَجْعَلِ الْيَمِينَ الَّذِي حَلَفْتَ أَنْ لَا تَفْعَلَ خَيْرًا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلٍ أَوْ تَرْكٍ سَبَبًا يُعْتَذَرُ بِهِ عَنِ الرُّجُوعِ عَمَّا حَلَفْتَ عَلَيْهِ خَشْيَةً مِنَ الْإِثْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَى الْحِنْثِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إِثْمًا حَقِيقَةً لَكَانَ عَمَلُ ذَلِكَ الْخَيْرِ رَافِعًا لَهُ بِالْكَفَّارَةِ الْمَشْرُوعَةِ، ثُمَّ يَبْقَى ثَوَابُ الْبِرِّ زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ، وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ الَّذِي قَبْلَهُ يُؤَكِّدُ ذَلِكَ لِوُرُودِ الْأَمْرِ فِيهِ بِفِعْلِ الْخَيْرِ وَكَذَا الْكَفَّارَةِ.
٢ - بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ وَايْمُ اللَّهِ
٦٦٢٧ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمْرَتِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: إِنْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ وَايْمُ اللَّهِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِفَتْحِهَا وَالْمِيمُ مَضْمُومَةٌ، وَحَكَى الْأَخْفَشُ كَسْرَهَا مَعَ كَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَهُوَ اسْمٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَحَرْفٌ عِنْدَ الزَّجَّاجِ، وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَهَمْزَةُ قَطْعٍ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَمَنْ وَافَقَهُمْ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ جَمْعُ يَمِينٍ، وَعِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ اسْمٌ مُفْرَدٌ، وَاحْتَجُّوا بِجَوَازِ كَسْرِ هَمْزَتِهِ وَفَتْحِ مِيمِهِ. قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: فَلَوْ كَانَ جَمْعًا لَمْ تُحْذَفْ هَمْزَتُهُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ لَمَّا أُصِيبَ بِوَلَدِهِ وَرِجْلِهِ لَيْمُنُكَ لَئِنِ ابْتَلَيْتَ لَقَدْ عَافَيْتَ قَالَ: فَلَوْ كَانَ جَمْعًا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ بِحَذْفِ بَعْضِهِ، قَالَ: وَفِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ لُغَةً جَمَعْتُهَا فِي بَيْتَيْنِ وَهُمَا:
هَمْزُ ايْمٍ وَايْمُنُ فَافْتَحْ وَاكْسِرْ أَوْ أَمِ قُلْ … أَوْ قُلْ مِ أَوْ مَنْ بِالتَّثْلِيثِ قَدْ شُكِلَا
وَايْمُنُ اخْتِمْ بِهِ وَاللَّهِ كُلًّا أَضِفْ … إِليْهِ فِي قَسَمٍ تَسْتَوْفِ مَا نُقِلَا
قَالَ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ تِلْمِيذُ ابْنِ مَالِكٍ: فَاتَهُ أَمِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهَيْمِ بِالْهَاءِ بَدَلَ الْهَمْزَةِ، وَقَدْ حَكَاهَا الْقَاسِمُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُعَلِّمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute