الْمُصَنِّفُ فِي هَذِهِ الْأَبْوَابِ غَيْرَ مُرَاعٍ لِلتَّرْتِيبِ فِيهَا، بَلْ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ مُنَاسَبَةِ إِيرَادِ التَّرَاجِمِ الْمَذْكُورَةِ.
قَوْلُهُ: (وَفِي الرِّقَةِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ: الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مَضْرُوبَةً أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ، قِيلَ: أَصْلُهَا الْوَرِقُ، فَحُذِفَتِ الْوَاوُ وَعُوِّضَتِ الْهَاءُ، وَقِيلَ: يُطْلَقُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِخِلَافِ الْوَرِقِ فَعَلَى هَذَا فَقِيلَ: إِنَّ الْأَصْلَ فِي زَكَاةِ النَّقْدَيْنِ نِصَابُ الْفِضَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ الذَّهَبُ مَا قِيمَتُهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فِضَّةً خَالِصَةً وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ رُبْعُ الْعُشْرِ، وَهَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ.
قَوْلُهُ: (فَإِذاْ لَمْ تَكُنْ) أَيِ الْفِضَّةُ (إِلَّا تِسْعِينَ وَمِائَةً) يُوهِمُ أَنَّهَا إِذَا زَادَتْ عَلَى التِّسْعِينَ وَمِائَةٍ قَبْلَ بُلُوغِ الْمِائَتَيْنِ أَنَّ فِيهَا صَدَقَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ التِّسْعِينَ لِأَنَّهُ آخِرُ عَقْدٍ قَبْلَ الْمِائَةِ، وَالْحِسَابُ إِذَا جَاوَزَ الْآحَادَ كَانَ تَرْكِيبُهُ بِالْعُقُودِ كَالْعَشَرَاتِ وَالْمِئِينَ وَالْأُلُوفِ، فَذَكَرَ التِّسْعِينَ لِيَدُلَّ عَلَى أَنْ لَا صَدَقَةَ فِيمَا نَقَصَ عَنِ الْمِائَتَيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْمَاضِي: لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ.
قَوْلُهُ: (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ) أَيْ: إِلَّا أَنْ يَتَبَرَّعَ مُتَطَوِّعًا.
٣٩ - بَاب لَا تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسٌ إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ
١٤٥٥ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ أَنَّ أَنَسًا ﵁ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ﵁ كَتَبَ لَهُ الصَّدَقَةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ وَلَا يُخْرَجُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ، وَلَا تَيْسٌ إِلَّا مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ.
قَوْلُهُ: (بَابٌ لَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ - إِلَى قَوْلِهِ - مَا شَاءَ الْمُصَدِّقُ) اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ، فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ بِالتَّشْدِيدِ، وَالْمُرَادُ الْمَالِكُ، وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي عُبَيْدٍ، وَتَقْدِيرُ الْحَدِيثِ: لَا تُؤْخَذُ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَيْبٍ أَصْلًا، وَلَا يُؤْخَذُ التَّيْسُ وَهُوَ فَحْلُ الْغَنَمِ إِلَّا بِرِضَا الْمَالِكِ لِكَوْنِهِ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَفِي أَخْذِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إِضْرَارٌ بِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَعَلَى هَذَا فَالِاسْتِثْنَاءُ مُخْتَصٌّ بِالثَّالِثِ، وَمِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَهُوَ السَّاعِي، وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى التَّفوِيضِ إِلَيْهِ فِي اجْتِهَادِهِ لِكَوْنِهِ يَجْرِي مَجْرَى الْوَكِيلِ فَلَا يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ الْمَصْلَحَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِمَا تَقْتَضِيهِ الْقَوَاعِدُ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ، وَلَفْظُهُ: وَلَا تُؤْخَذُ ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسٌ وَلَا هَرِمَةٌ إِلَّا أَنْ يَرَى الْمُصَدِّقُ أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِلْمَسَاكِينِ فَيَأْخُذُهُ عَلَى النَّظَرِ. انْتَهَى. وَهَذَا أَشْبَهُ بِقَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ فِي تَنَاوُلِ الِاسْتِثْنَاءِ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ قَبْلَهُ، فَلَوْ كَانَتِ الْغَنَمُ كُلُّهَا مَعِيبَةً مَثَلًا أَوْ تُيُوسًا أَجْزَأَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا، وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ يَلْزَمُ الْمَالِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ شَاةً مُجْزِئَةً تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَهُمْ كَالْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ: (هَرِمَةٌ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ: الْكَبِيرَةُ الَّتِي سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا.
قَوْلُهُ: (ذَاتُ عَوَارٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِضَمِّهَا، أَيْ: مَعِيبَةٌ، وَقِيلَ: بِالْفَتْحِ الْعَيْبُ، وَبِالضَّمِّ: الْعَوَرُ، وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهَا فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ مَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ فِي الْبَيْعِ، وَقِيلَ: مَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءُ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَيَدْخُلُ فِي الْمَعِيبِ الْمَرِيضُ وَالذُّكُورَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأُنُوثَةِ وَالصَّغِيرُ سِنًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى سِنٍّ أَكْبَرَ مِنْهُ.
٤٠ - بَاب أَخْذِ الْعَنَاقِ فِي الصَّدَقَةِ
١٤٥٦ - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ